5 دقائق

النصب على العقول

ميره القاسم

ترددت أنباء عن طلب «الإنتربول» من السفارة السعودية في واشنطن مساعدتها في البحث عن طالب سعودي مبتعث، قام ببيع ضب لمواطن أميركي بما يعادل سبعة ملايين ريال سعودي، بعد أن أقنعه بأنه من سلالة الديناصورات المنقرضة، لكن الأميركي سرعان ما رفع دعوى قضائية بعد أن اكتشف أن الضب حيوان منتشر في الجزيرة العربية.

في الحقيقة لم أورد هذا الخبر لكي أطالب بتكريم الطالب أو مدح فعلته، ولو على سبيل السخرية، بل لأذكّر القراء الأعزاء بأن في حياتنا العربية الكثير من الأشياء المهمة، التي تحولت بسبب إهمالنا أو غفلتنا أو « تطنيشنا » إلى منقرضات.

بيد أنني سوف آخذ من الانقراض منقرضاً واحداً، هو الإعلام الجيد الهادف، ومن يراقب أي محطة فضائية عربية سوف يشعر بأنها في كل ما تقدمه من تفاهات؛ بدءاً من نوعية الخطاب ومروراً بحرفية المذيعات اللواتي لا يعرفن من شروط صنعة الإعلام سوى ارتداء أقل ما يمكن من الملابس ووضع أكثر ما يمكن من المساحيق، ولا بأس ببعض الغنج لاستمالة المشاهد.

الغريب أن المذيعات يعلمن أن « عدة الشغل » هذه لن تصمد طويلاً أمام أي مشاهد لديه أدنى احترام لعقله وأخلاقه، ومع ذلك يصررن على إتحافنا يومياً بمناظرهنّ المبهرجة والمهرجة في آن، فإن كن يعلمن ويفعلن ذلك لغاية في أنفسهن فتلك مصيبة، وإن كن لا يعلمن فالمصيبة أدهى وأعظم.

لنترك المذيعات وشأنهن ولنأتِ إلى البرامج التي تضع نفسها في مسارين فقط لا ثالث لهما، كأنها تردد قول نزار قباني: إني خيرتك فاختاري، ما بين الموت على صدري، أو بين دفاتر أشعاري، فالموت واحد والاختيار واهم.. فالفضائيات العربية المجيدة طرحت البرامج السياسية التي لا تعرف من السياسة سوى الصراخ والسباب و« نقار الديكة ».. يعني النتيجة واحدة والاختيار واهم، ولا يملك المشاهد المسكين إلا أن يغني على ليله. وكذلك تسير البرامج الفنية أو المنوعات، على المنوال نفسه منتهجة التنويع على كل بحار السفاهة والتفاهة و«اعذروني»..

أتمنى أن يصحو إعلامنا من غيبوبته، لكن الطامة الكبرى، التي لا أجد لها تبريراً ولا تفسيراً ولا معنى ولا سبباً ولا غاية ولا.. إلخ، ظاهرة القنوات التي تبيع المستحضرات الطبية أو العلاجات العشبية. فيا سادة يا كرام، تلك القنوات لم تجد شيئا تستند إليه في عرض كريمات شد البشرة، وتكبير الصدر، والتخلص من الدوالي وأجهزة زيادة قدرة الرجال الزوجية سوى « القرآن الكريم »، لماذا؟!

أفتوني بربكم بتفسير واحد يريح قلبي الذي يحترق، كلما سمعت صوت قارئ جليل يرتل القرآن العظيم داعياً الإنسان الى التقوى والفوز بالجنة والباقيات الصالحات، فيما الصورة المعروضة على الشاشة لـ«جهاز التكبير» أو «خلطة زيادة القوة الجنسية» أو.... !

أين وزارات الأوقاف؟ أين كل من له علاقة بالفضائيات من هذه القنوات المشبوهة؟ أيعقل ما نشاهده؟!

wahag2002@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر