أبواب

بلغني أيها الملك السعيد

سالم حميد

يصعب على الأميركان تخيّل أي بقعة في بلاد العرب من دون إقحام ذهنية « ألف ليلة وليلة » في عقولها، وهذا ما حصل مع اندريه نيميك وجوش ابلبوم، مؤلفي فيلم « مهمة مستحيلة 4 »، وهذان المؤلفان الشابان غير معروفين وأعمالهما الفنية قليلة ومجملها تلفزيوني، لكن النجاح الكبير الذي حققه هذا الفيلم يبشر لهما بالمستقبل في سوق أفلام « الأكشن » رغم أخطائهما في المشاهد المصورة في دبي، فلو قام المؤلفان بزيارة دبي قبل كتابة السيناريو لربما تحاشيا المشاهد المضحكة للجمال وهي تسير على شارع مخصص للسيارات، ومشهد عاصفة رملية عنيفة في وسط مدينة ساحلية، ومشهد الحي والسوق الشعبي القذر المستوحى من العقلية الأميركية عن الشرق!

عندما طُبعت النسخة الإنجليزية الأولى من كتاب « ألف ليلة وليلة » عام ،1708 حققت شعبية كبيرة في المستعمرة البريطانية (أميركا)، وأصبح الكتاب الأكثر قراءة في المجتمع الأميركي بعد الإنجيل مباشرة، وكانت تلك القصص تنقل الأميركيين من حياتهم الشاقة تحت الاستعمار البريطاني إلى عالم مثير من كنوز « علي بابا » والبساط الطائر والجواري الحسان المختبئات خلف نقاب يزيدهن إثارة، قد جذب الأميركان وعموم الغربيين إلى دراسة العالم العربي لمشاهدة تلك القصص على الطبيعة، وبعد مرور 80 عاماً، أي عام 1788 على صدور النسخة الإنجليزية من « ألف ليلة وليلة » في أميركا، بدأت الرحلات الاستكشافية الأميركية للشرق العربي لدراسة أساطير « ألف ليلة وليلة » من المنظور الاستشراقي المحرّف للتاريخ، وكانوا يعتقدون أنهم سيشاهدون مملكات عربية ثرية ومتنورة برواد شتى أصناف العلوم والمعرفة كما كانت عليه قبل الاحتلال العثماني الذي حوّل الوطن العربي إلى مناطق شبه اقطاعية ومتخلفة، وفوجئ المستكشفون الغربيون بمدى الفقر والبؤس والاضطهاد الذي كان يعانيه العرب من الأتراك، ولكنهم (الغربيون) ورغم مشاهدتهم الحقائق على الطبيعة لم تستطع عقليتهم المفتونة بسحر «ألف ليلة ليلة» الانسلاخ عنه، وهذا ما لمسناه في لوحاتهم الفنية! والآن وبعد مرور 303 أعوام من الافتتنان الأميركي بـ«الليالي العربية»، حسب ترجمتهم للقصة، فليس من المستغرب أن نشاهد تلك المشاهد الغريبة عن دبي في « مهمة مستحيلة 4 »! ولا تسعني المساحة هنا لذكر جميع الأعمال الفنية الأميركية المستوحاة من «الليالي العربية»، ابتداء من عام 1824 بمسرحية أميركية تحت عنوان «أبو الحسن» لمؤلفها الأميركي المفتون بالشؤون العربية واشنطن ايرفنج.

في عام 1855 قال وزير الدفاع الأميركي جيفرسون ديفيز عن العرب إنهم أقرب في عاداتهم إلى عادات «الهنود الحمر». وبتلك المقولة استطاع ديفيز اقناع الكونغرس بتأسيس «الشركة الأميركية للجمال» برأسمال قدره 30 ألف دولار، وتم شراء 79 جملاً عربياً من موانئ عربية عدة، إضافة إلى الاستعانة بخمسة من قادة الجمال العرب برئاسة «الحاج علي»، حسب الوثائق الأميركية، وتم إرسالهم إلى ولاية تكساس لتجربة الجمال العربية في نقل العتاد الحربي وسط صحارى تكساس القاحلة، وكانت تجربة ناجحة، دفعت الحكومة الأميركية إلى طلب شراء 1000 جمل عربي عام ،1856 لكن ظهور الجمل الحديدي (القطار) دفع الكونغرس إلى إلغاء الصفقة، وتم بيع الجمال الـ79 للمناجم والسيرك، أما الحاج علي ومساعدوه، فقد عملوا في سلاح الفرسان الأميركي، وتم تكريمه بتمثال تذكاري على هيئة هرم!

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر