أبواب

«عرب آيدول»

محمد المرزوقي

الخوف والرّيبة والشكّ، جميعها أحاسيس عادية تشكل جزءاً من طبيعة كل إنسان؛ ولكن عندما يرتفع منسوب هذه الأحاسيس عن المعدل الطبيعي، ويبالغ الشخص في خوفه وريبته وشكّه، كأن يتفحص الكوب أربع مرات قبل أن يسكب القهوة فيه، عندئذ يقوم الأطباء بتشخيص حالته على أنها إحدى حالات مرض الوسواس القهري! فالشخص الذي يسرف في الحزن، فيتخذ من السواد لوناً يصبغ به كل ما يحيط به من أشياء وأشخاص، ويقرر مقاطعة الشمس ويصادق الخفافيش هو شخص مصاب بوسواس الحزن. والشخص الذي يبالغ في الفرح، فيقيم مأدبة غداء يدعو إليها أصدقاءه وجيرانه وجيران جيرانه بمناسبة تخرّج ابنه من الروضة هو أيضًا شخصٌ مصاب بنوع آخر من أنواع الوسواس!

عندما رأيت سيارة « مرسيدس » لأوّل مرّة لفت انتباهي شكل الشعار المحفور على مقدمة أنفها، لقد كان يشبه الصليب الذي يتدلّى من عنق الصليبيين ( كما كان يسميهم أستاذ التربية الدينية )، ولأنّني كنت مصاباً بنوع من الوسواس الديني قررت مقاطعة سيارات المرسيدس وكل شيء اشتبه أنه يحمل علامة الصليب. هناك نوع آخر من الوسواس يصلح أن نسميه وسواس المؤامرة، الشخص المصاب بهذا النوع من الوسواس يؤمن بأن الجميع يتآمرون عليه، ويعملون جاهدين لإهانته وإهانة معتقداته بطريقة أو بأخرى. لا بل قد تكون الإهانة في أغلب الأحيان بالألغاز، كأن تقوم شركة ما بتصميم شعار لمشروبٍ غازي عمره نحو 100 سنة فيأتي شخص ما اليوم ويقرأه معكوساً، فيكتشف الشفرة السريّة! وهكذا يصبح كل آخر عدواً، وكل فعل مؤامرة! قبل أسبوع انتشر على مواقع وأجهزة التواصل مقطع فيديو لشاب سعودي يحذر فيه من البرنامج الغنائي « عرب آيدول »، وربما فاق عدد من شاهد المقطع عدد من شاهد فيلم « المهمة المستحيلة ». على ا لرغم من أنني أعرف أنّ عدد مشاهدات مقطع ما لا تعني أنّ المقطع جيد ولا أنّ صاحبه جيد، فالناس عادة تتجمهر لمشاهدة الأشياء السيئة كحوادث السّيارات والمشاجرات النّسائيّة. إلا أن ما أثارني في الموضوع هو قيام إحدى الخدمات الإخبارية المحلية بتداول ونشر المقطع!

شخصياً أحترم أيّ شخصٍ مهما اختلفت معه أو اختلف معي، بشرط أن يكون قادراً على الصّدق، وأحد أشكال هذا الصّدق هو عدم تحوير الحقائق ـ أو التدليس كما يسميه اللغويون ـ وعدم استغلال جهل الناس لخدمة موقف أو قضية ما بغض النظر عن نبل ذلك الموقف أو القضية! مدة المقطع ست دقائق تقريباً، يحاول خلالها الشاب السعودي بطريقة الداعية نفسها، الذي فسر كلمة «باي» بـ«في حفظ البابا»، وبكل ما أوتي من معاجم لغوية أن يوضح ـ لمن تورط في مشاهدة المقطع ـ أن معنى «آيدول» هو «صنم» وعليه تكون جملة «عرب آيدول» تعني «صنم العرب»، متجاهلاً في الوقت نفسه ـ عن قصد أو عن جهل أو كليهما ـ أن هناك معاني أخرى لكلمة «آيدول» يتحول معها معنى «عرب آيدول» إلى «محبوب الجماهير العرب» ! طريقة الشاب السعودي في الدعوة ذكرتني بالأساليب التقليدية لمشايخ الصحوة في التسعينات حين كان يلجأ بعضهم إلى اختلاق القصص والكذب من أجل تخويف الناس، سواء من عذاب القبر أو الموت، أو غيرهما من الغيبيات. ونسى هؤلاء ـ كما نسي الشاب السعودي ـ أن النيات الطيبة لا تبرر الأفعال القبيحة! لا أعلم لماذا تذكرت بهذا الصدد فتوى أحد المشايخ بتحريم اللغة الإنجليزية، التي أستطيع الآن أن أتفق معها. فحتى نوقف هذا النوع الطفولي من التلاعب باللغات الأجنبية نحتاج إلى منع تعلمها وتعليمها، تماماً كما يحتاج الأطفال أن نرفع عنهم علب الأدوية والأدوات الحادة « لست جاداً بالتأكيد »!

 al-marzooqi@hotmail.com 

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر