يا جماعة الخير

بَشر صاحبك بغلام يا أمير المؤمنين

مصطفى عبدالعال

ذات ليلة يرى عمر بن الخطاب على مشارف المدينة كوخاً ينبعث منه أنين امرأة، وعلى بابه رجل يجلس حائراً كئيباً، وبسؤاله عرف أنه زوجها، وأنهما من البادية، وحطا رحلهما حين اشتد عليها المخاض، فرجع عمر إلى بيته مسرعاً، وقال لزوجته أم كلثوم (بنت الإمام علي): هل لكِ في مثوبةٍ ساقها الله إليكِ؟ امرأة غريبة تمخض وليس معها أحد، قالت: نعم إن شئت. ولننظر إلى رئيس الدولة وله وزراؤه وعماله وموظفوه، كأية دولة يحرك رئيسها موظفيه للقيام بحق الرعية، تفويضاً وتكليفاً ومتابعة، لكنه اغتنم فرصةً يتقرب فيها لربه بعيداً عن أعين الناس، وأن يحقق إلى جوار واجبه - راعياً مسؤولاً - واجباً أحب إلى قلبه، وهو التعبد بقضاء حاجة محتاج بنفسه.

وقام فأعد من الزاد والماعون ما تحتاجه المرأة من دقيقٍ وسمنٍ وقطع من الثيابٍ يلف بها الوليد، وحمل أمير المؤمنين القِدر على كتفٍ وحمل الدقيق على كتف، وتبعته زوجته إلى الكوخ، فدخلت هي مع المرأة لتقوم بدور القابلة، أما أمير المؤمنين فيجلس خارج الكوخ ينصب ثلاثة أحجار ويضع فوقها القدر، ويوقد تحتها النار، ويسوي بيده طعاماً، والزوج يساعده ممتناً له، وهو طبعاً لا يعرفه، حتى صدح صوت وليد يصرخ فاستبشر الزوج، وإذا بأم كلثوم تقول والرجل يسمع: بشر صاحبك بغلام يا أمير المؤمنين! تعقد الدهشة لسان الأعرابي عن الكلام، بعدما هب واقفاً مستأخراً إلى الوراء على هيبة واستحياء، فيهوّن عليه عمر، مشيراً إليه بودٍ أن ابق مكانك. ويحمل أمير المؤمنين قدر الطعام إلى باب الكوخ قائلاً لزوجته: خُذي القدر وأطعميها وأشبعيها، وتفعل الزوجة محبةً بصدقٍ لما تفعل، وترد القِدر إلى عمر بما بقي من طعامٍ، فيضعها عمر بين يدي الأعرابي، ويقول: كُل واشبع، فإنك قد سهرت طويلاً، وعانيت كثيراً، ثم وهو ينصرف بزوجته يقول للرجل: إذا كان صباح الغد فأتني بالمدينة لآمر لك من بيت المال بما يصلحك، ولنفرض للوليد حقه.

هذه القصة يعرفها معظمنا، لكن هل منا من يطبق مغزاها مع أهله وأرحامه أو تابعيه، سواء في العمل إن كان كفيلاً أو صاحب مؤسسة أو مديراً لعمل؟ الجواب عندكم، أما ما ينبغي أن يفهمه أي عاقل، أياً كانت ثقافته ووضعه الاجتماعي والمالي، أن هذه القصة لو تركت فينا أثراً جميلاً وإعجاباً بما فعله عمر فمن السهل أن يتخلق أحدنا بهذا الخلق مع أولاده وجيرانه وأرحامه وتابعيه، بمشاركات بسيطة وجلسات خفيفة، نسمع فيها همهم ونشاركهم مشكلاتهم، ونحاول بصدق مد يد العون ولو بكلمة طيبة، وبوسع كلٍ منا أن تكون هذه طبيعته وأخلاقه، أما أن يتوارى إذا علم بضائقة مالية أو عرس أو عملية جراحية أو مرض مكلف عند أخيه أو رحمه، خوفاً من أن يتورط في شيء، فهذا عين الغباء، فضلاً عن عدم المروءة، لأن الذكي لو وثق بوعد الله بأنه المخلف على الباذلين والواصلين للأرحام لجعلها تجارة مع الله، وما عليه إلا أن ينفق، ولو مجرد كلمة طيبة أو مواساة، على قدر الوسع، وسيعوضه الله أضعافاً، ويعينه، ويبارك في رزقه، ويمنحه القبول في الدنيا والآخرة، من دون أن يتكلف شيئاً إلا أن يخلص لله فيرزقه الله بنيته.

المستشار التربوي لبرنامج «وطني»

mustafa@watani.ae

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر