أبواب

المركز والأطراف

قيس الزبيدي

يرى المفكر الاقتصادي سمير أمين في كتابه الجديد «العالم العربي ضمن المدى الطويل: هل هو ربيع عربي حقاً؟» أن انتفاضات الشباب العارمة لا تهدف فقط إلى إزاحة الديكتاتورية عن سدة الحكم، وإنما هدفها أيضا، إحداث تغييرات اجتماعية جذرية، كما انها تمثل صرخة غضب ضد التفاوت الاجتماعي الفاحش بين الأغنياء والفقراء، وتمثل، في الوقت نفسه، صرخة غضب ضد النظام الاقتصادي العالمي، الذي ينهب ثروات شعوبه وخيراتها، يضاف إلى ذلك أنها تهدف إلى إرساء ديمقراطية المجتمع وتحقيق العدالة الاجتماعية.

ينفي سمير أمين وجود عالم ثالث، ويرى ان البلدان ذات «الاقتصاد المتخلف» لا تشكل قطباً مستقلاً، إنما هي حجر بناء للاقتصاد الرأسمالي العالمي وانها تشكل أطرافه التي تذعن لعملية تكييف بنيوية دائمة، ضمن حركة إعادة إنتاج مراكزه في البلدان الرأسمالية الصناعية المتقدمة: مركز رأسمالي وطرف رأسمالي تابع، ومثلما لا يمكن تفسير دينامية التراكم في المراكز الرأسمالية بشكل اقتصادي صرف، بل في سياق تحليل تطورها الاجتماعي وأزماتها السياسية، كذلك هي حال دينامية تراكم الأطراف، وتأتي من دورها حارس مخافر للمراكز الرأسمالية ومن اندماجها في تقسيم دولي للعمل غير متكافئ، ينشأ عن بنيتها الهشة والتابعة، بغض النظر عن نوع اقتصادها، أكان يقوم على الزراعة أو على استغلال موادها الخام أو على خطوات أولية نحو تصنيع بديل للاستيراد.

سبق لعالم الاجتماع الألماني ديتر سنغها، أن قدم دراسة خاصة حول إسهام أمين في تحليل النظام الاقتصادي والتراكم على الصعيد العالمي، وذلك في مناسبة حصوله على جائزة ابن رشد للفكر الحر في نهاية عام 2009

ما نرد أن تقف عنده في هذه الدراسة هو كيف يحلل أمين دينامية تراكم الأطراف ويجدها، منهجياً، مُشوهة لهذا تأتي دعوته لفك ارتباط بلدان الأطراف من أجل إخضاع علاقاتها الخارجية لمنطق التنمية الداخلية المتشعبة، بشكل يُمكن دولها من وضع استراتيجية متنوعة، تهدف إلى استغلال الفرص في السوق العالمية بشكل انتقائي، يتوافق مع استثماراتها في تنشيط التنمية الداخلية على أوسع نطاق وجنباً إلى جنب مع القوى الاجتماعية ذات المصلحة في تحقيق هذه الإستراتيجية.

ومن الواضح أن خياراً للتنمية كهذا يتطلب شروطاً سياسية مناسبة، كما يتطلب إلغاء الدور الذي كانت تلعبه البرجوازية «الرثة» الكومبرادورية التي ربطت مستقبل بلدانها بالسوق الرأسمالية العالمية، بشكل غير متكافئ. لتكون غاية «فك الارتباط» أداةً موجهة لتحقيق استراتيجية تنمية مستقلة خارج حدود الرأسمالية، وعبر عملية تطوير اجتماعية سياسية، ودستورية ديمقراطية، تبتعد عما يسميه سمير أمين تنمية «اللحاق والتجاور بالعالم الأول» إنما تتبنى تنمية حقيقية أخرى، لأنه من دون عملية فك الارتباط من المراكز بالمعنى الاقتصادي الحقيقي، ومن دون ضمان تنمية ذاتية مستقلة تعيد إحياء قطاع الإنتاج الصناعي بشكل كامل، لا تتحقق مطالب البناء الداخلي ولا تُلبى حاجات المجتمع الأساسية.

والآن، وقد أصبحت تونس أفضل من دون زين العابدين بن علي، ومصر أفضل من دون حسني مبارك، وليبيا أفضل من دون القذافي، فهل يحق لنا نعيد طرح سؤال سمير أمين القديم حول المهم الآتي: «من سيدير معركة التنمية ومعركة فك الارتباط، وهي معركة لاتزال أمامنا لا خلفنا؟»

alzubaidi0@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر