يوميات من المهرجان

محمد حسن أحمد

المشهد الأخير ــ البستكية

عرفت أن أمي قامت بطيّ الصفحة التي تحمل صورتي ليوم كامل حتى تفرشها امام النساء في الجلسة الصباحية اليومية في بيت الجدّة الملاصق لبيتنا وهن يتوزعن بالحديث وشرب القهوة وتناول خبز (الرقاق) الحار، صديقات أمي لا يعرفن القراءة، لكنهن يدركن الأشياء بمعرفة عالية كما كل جداتنا وأمهاتنا، بينما أنا هنا أوزع آخر الأمنيات التي اطلقها دائما كطائرة من ورق هنا في أروقة مهرجان دبي السينمائي التي تسدل ستارة الحب في يوم الختام وتوزيع الجوائز، لنكون بعد مئات الأفلام التي فرشت لها سجادة حمراء من الضوء للقلب لتبقى بداخلنا، اليوم بالذات ستتفتح الاشتياقات الأولى بتدافع ونحن نفترق لنبدأ، سأشتاق للغرفة رقم...، للطريق من مدينة جميرا إلى «مول» الإمارات، طابور بيع التذاكر، للكراسي الخلفية التي نختارها دائما في صالة العرض، شخصيات الأفلام، الأصدقاء وجلساتنا الليلية الممتدة إلى الفجر، ابتسامة المتطوعين من كل الجنسيات، الضيوف الطيبين، الشاشة الكبيرة التي أدمنتها، مطعم المكان في سوق جميرا، القوارب الصغيرة التي تعبر بنا وحتى عازفة البيانو التي تعرف أنها تلهمني بعزفها المنفرد كل مساء في بهو فندق ميناء السلام، لعمال النظافة في الفندق وهم يقومون بهدوء بتنظيف وترتيب كل شيء، لا شيء يمكن ان اتركه دون ان يتحول إلى صورة للذاكرة.

في ليلة التتويج ننصت للتقدير الذي تحدده لجان التقدير لأفضل الأفلام في فئات مسابقة المهرجان من الفيلم الطويل إلى الفيلم القصير بين الروائي والتسجيلي ومن المهر الإماراتي إلى الآسيوافريقي، وحتى لا نضع الجوائز وحدها في منطقة التقدير أظن تماما أن كل فيلم هو مشروع يجب تقديره ومجرد العرض فإنه دخل تقدير الجمهور الذي سنفقده منذ اليوم، ولا أظن شخصيا أن ذهابي اليومي لـ«المول»، سيتكرر الأيام المقبلة، وما سأفعله هو العودة إلى الذات أولا، ومنها إلى الكتابة والتحضيرات التي بدأت من الآن لتصوير أعمالنا القادمة لمهرجان الخليج السينمائي ولأعمال درامية أقوم بإنجازها كسيناريو.

تم اختيار منطقة البستكية التراثية الجميلة لمكان حفل الختام لتوديع الجميع وترك ذكرى بداخل كل ضيف على دار الحي، واعتقد أنه اختيار كنهاية للمشهد الأجمل، والذي استمر عبر الصورة، ولأن الصورة هي جزء من يومياتي وإن كنت لا أكتب هنا ما يحدث إلا أنني في الصورة التي أحلم بها وأتنفسها كل يوم مع الأصدقاء أحمد سالمين وأحمد حسن أحمد ووليد الشحي وعبدالله حسن أحمد، والكثير من أصدقاء الضوء حولنا وقربنا، ومع كل تلك الحروف التي تركتها لكم يوميا في هذا العمود الأخير ليومياتي، أعتذر للجميع وأشكر الجميع في الوقت نفسه، وسعيد بكل هذا التجاوب والعبور وحتى للكلمات الصغيرة والنقد لكل شيء كتبته عبر اليوميات، وحتى لا أطفئ الشمعة أجد نفسي أشعلها لكم من جديد عبر أفلامي القادمة، وعبر متابعتكم.

اللقطة الأخيرة

ليل خارجي/منطقة البستكية، الفرح والضوء مع عبق المكان والوجوه المملوءة بالفرح تترك أمنياتها عبر المكان للقاء آخر السنة المقبلة، لا شيء هنا يسمع صوته سوى الحب، ولا شيء اتركه هنا سوى الحب والسلام.

محمد حسن أحمد - كاتب سينمائي إماراتي

 me170@hotmail.com

تويتر