أبواب

أخطاء

سالم حميد

قبل بضع سنوات أتاني صديق مصري منزعجاً للغاية قائلاً: «لماذا أنتم الإماراتيين تشتمون المصريين؟!»، نظرت إليه مستغرباً، وقلت: «أنا استمع إليك!»، فأضاف: «لقد بلغني أنكم في لهجتكم تطلقون اسم مصري على الحمار (عزكم الله)!». لم أتمالك نفسي وانفجرت ضاحكاً، وقلت: «يا حبيبي، الصواب هو (مسري) وليس (مصري) كما تعتقد، وكذلك بقية أغلب الإماراتيين يعتقدون، وهذا الاسم قديم ويكاد يكون منقرضاً، وربما لن تسمعه إلا من الشواب فقط».

أحد الأصدقاء قام بإنشاء صفحة تراثية على الـ«فيس بوك»، وقام بإضافتي فيها، ويسهم المشاركون في هذه الصفحة بنشر الكثير من المعلومات والصور والعبارات التراثية الغنية، وعلى الرغم من وجود بعض الهنات، أي الأخطاء البسيطة هنا وهناك، لكنها لا تمثل شيئاً بجانب المعلومات القيمة والمفيدة التي تتضمنها الصفحة، كما أن الوقوع في الخطأ البسيط بالنسبة للباحث أمر وارد وليس عيباً، وشخصياً وقعت في أخطاء بسيطة عدة ومنها المنشورة، لكن هذا الخطأ البسيط لا يلغي بالضرورة القيمة المعلوماتية في البحث أو المقال نفسه.

قبل بضعة أيام دار حوار في تلك الصفحة حول اسم الحمار في اللهجة الإماراتية، وقال أحدهم، ممن يعدون من المطلعين على التراث، ما يلي: «اُطلق على الحمار لفظة مصري، وجمعها مصارى بسبب الحمير التي أتى بها إبراهيم باشا أثناء حملته على جزيرة العرب»، وحاول البعض في الصفحة محاججته، لكنه أصّر على أن ما قاله صحيح بنسبة 100٪100! تدخّلت وكانت مشاركتي الأولى في الصفحة، وكتبت ما يلي: «أستاذي الفاضل، حملة إبراهيم باشا عام 1818 على الدولة السعودية الثانية، كانت لتدمير العاصمة النجدية الدرعية واعتقال أميرها عبدالله بن سعود، ثم إعدامه علناً في اسطنبول، ولم يسع إبراهيم باشا إلى مدّ نفوذه إلى المشيخات الساحلية على الخليج العربي، أي أن سكان إمارات الساحل لم يروا حمير إبراهيم باشا، وربما لم يسمعوا عنه، فلماذا سيطلق أهل الإمارات تلك التسمية على الحمار بينما أهالي نجد أنفسهم لم يستخدموها؟!»، لكن صاحبنا التراثي آثر تجاهل سؤالي تهرباً من المنطق، وهذا ما ينطبق تماماً على من اعتقد أن الشعر البدوي في الخليج سُمي بالنبطي نسبة إلى العرب الأنباط في الصحراء الأردنية، وهذه الفرضية عارية تماماً عن الصحة، لأن الأنباط أنفسهم لم يسموا شعرهم بالنبطي، فما الذي سيجعل أهل الخليج ينسبون أشعارهم إلى الأنباط؟! والصواب هو أن الشعر النبطي نُسب إلى قوم النبط الذين كانوا يسكنون منطقة البطائح في جنوب العراق وابتعدوا في أشعارهم عن الفصاحة اللغوية، ومن المعتقد هنا أن أهل البادية أيضاً في الخليج قد تغنوا في أشعارهم وابتعدوا عن الفصاحة اللغوية العربية، فأصبحت أشعاراً نبطية. إذاً، فالشعر النبطي هو الشعر البدوي في منطقة الخليج، الذي يُلقى باللهجة البدوية وليس باللغة العربية الفصيحة.

في اللغة العربية «يَسراً» أي لان وانقاد كالقول: «يسر الحصان أو الحمار لراكبه»، وفي اللهجة المحلية قُلبت بعض الحروف من أصلها إلى أخرى، فالكاف مثلاً قُلب إلى الجيم، والجيم قُلب إلى ياء، إذاً ليس من المستغرب أن يُقلب السين إلى الصاد، وعليه تحّور القول من مسري إلى مصري!

هذا والله أعلم.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر