أبواب

أفول النقد العربي

خليل قنديل

وسط هذا الفيضان الحبري الذي تضخه المطابع ودور النشر العربية من روايات ومجموعات شعرية ومجموعات قصصية، لمعارض الكتب وللمكتبات، نلحظ أن تدفق هذا الفيضان يذهب باتجاه الفراغ، دونما أن يترك بصمته المعرفية والحضارية في الواقع الثقافي العربي. ولعل مرجع ذلك يعود بالدرجة الأولى إلى غياب القارئ الأول، وهو الناقد الذي ظل تاريخياً هو السادن الجاد، والحريص على مُجمل النتاجات الإبداعية.

وتاريخنا الإبداعي المعاصر يحفظ لنا في ذاكرته بعض الرموز الإبداعية الجادة، ومنذ منتصف القرن الفائت، الهمّة الجادّة لمثل هؤلاء النقاد في تشريح الأعمال الإبداعية والإمساك بيد القارئ كي تدله على بعض الأعمال الإبداعية المهمّة.

وقد كانت هذه الرموز تقفز في قراءاتها النقدية عن فكرة « التجييل »، فقد كانت بعض هذه الرموز رغم وصولها الى العمر الثمانيني، تتعامل بجدية نقدية حافرة لكتّاب في عقدهم العشريني الأول. كما كانت تسعى الى الارتقاء بهؤلاء الكتاب في المحافل الادبية والثقافية كي تقدمهم باحتفائية نادرة للجمهور.

وتاريخنا الإبداعي المعاصر يشهد لمعارك نقدية كانت تقام على قدم وساق تنعكس آثارها على الكاتب العربي والمثقف العربي أيضاً، معارك كانت تثار بين شعراء المهجر، وأخرى في الثقافة المصرية بين محمود عباس العقاد وطه حسين وتوفيق الحكيم وسلامة موسى. وقد كان لهذه المعارك وقعها الإيجابي الجميل، بحيث كانت تدفع القارئ للكتاب المتشاجر عليه وإلى اقتنائه.

لكن من يراقب وضعنا النقدي الحالي، سيحصل على قراءات نقدية هي أبعد ماتكون عن علم النقد الأدبي، فهي على سمنة أوراقها وضجتها اللغوية لا تتعدى أن تكون توصيفاً للعمل الإبداعي، وهذا التوصيف يجعل القراءة النقدية إعادة انتاج للعمل الإبداعي دون أي حفر في تعاريج النص وسراديبه السرية. إن ما نقرؤه يمكن أن يقال عنه إنه نقد انطباعي. والحق يقال إن للصحافة الثقافية في الوطن العربي دورها في إنتاج النقد الانطباعي، والنقد الصحافي السريع.

والخطير في ظاهرة أفول النقد الأدبي عربياً هو اتجاه الناقد العربي الى هجر الكتاب الإبداعي والتعامل مع النظريات المعرفية عموماً، وذلك اقتداء بنقاد غربيين انتهجوا هذا النهج، وفي غياب النقد العربي الذي ظل يحرس الأنموذج في الكتابة العربية، ويدل عليه أنه تخلى عن دوره التنظيري هذا، وترك لنا كل هذه الكتابة التي أقل ما يقال عنها إنها تسبح في منطقة العماء الكامل!

khaleilq@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر