يوميات من المهرجان

محمد حسن أحمد

أكره المعكرونة، ولا سبب عندي لذلك، رغم أنني كل ليلة قبل النوم أطالع الصورة الجميلة لصحن « الباستا » على غلاف مجلة أجنبية بقرب سريري بالفندق الذي يستضيفني أثناء مهرجان دبي السينمائي، أنتظر المطر كما أنتظر الأصدقاء كي نجتمع ونقرر جدول الأفلام وبعدها نفترق أو نجتمع على وجبة لا نعرف هل هي غداء أو عشاء مع تداخل النهار بالليل، ونحن في عزلة مع العتمة التي تفرضها صالة السينما وعبر الضوء ننحسر لنواجه الحكاية وهي تتجسد أمامنا، ومع كل فيلم نعيش ثقافة وبيئة مجتمع مختلف عنّا، لكنه يشبهنا كبشر لنعيش متعة الضوء في دقائق طويلة ونذهب للنهايات التي تترك بداخلنا بعض الشخصيات ونذهب بها للشارع والحلم، ويبدأ بعدها حوارنا المفتوح حول الأفلام التي شاهدناها مع اختلاف التذوق واللمس، وننحاز جميعا للاختلاف لأن الفيلم يأتي دوره في بعثرة الذات وترك الأسئلة مفتوحة على الإحساس الذي يفاجئني أحياناً بأن يومض في كل الاتجاهات، لأصبح هذا الرجل الثلاثيني المغرم بما تصنعه الصورة، وحتى لا أنحاز للعقل وأترك المكان فسأعود بكم إلى بداية النهار حين ركبت « الباص » نفسه من مقر المهرجان إلى « مول الإمارات » لمشاهدة فيلم « روميو » للمخرج ايفان غربوفتش، حول حكاية شاب لبناني معاق يعيش مع عائلته في مدينة مونتريال، جاءت صورته عبر « فيديو منزلي » نهاية الفيلم وهو يتحدث مع عائلته ويضحك بينما يحاول أن يقف بصعوبة مما يعانيه، جعلنا الفيلم في الإعاقة نفسها وهو يواجه رغبته الداخلية في الحب مع فتاة يحدثها بالإنترنت، لكنه لا يملك القوة ليلتقي بها. مع انتهاء الفيلم عدت إلى ميناء السلام للجلوس في « البلكونة » لبعض الراحة، شاب مع زوجته وطفل في القارب الذي يعبر في المكان، يلتقطون صورتهم لأن لا شيء هنا يمكنك تركه دون أن يتحول إلى ذاكرة للمكان، وعند التاسعة مساءً وهو الوقت الذي أفضل فيه الخروج من المنزل للأصدقاء ككل يوم، وجدت نفسي مع أيام المهرجان هنا في « المول » أعبر أبواب المحال الزجاجية بتنوعها دون أن أشتري شيئاً سوى الدخول للمكتبة القريبة من السينما لبعض الوقت، أو شراء جريدة « الإمارات اليوم » لمشاهدة صورتي وهي تقبع فوق هذه الصفحة، لربما كبرت فيها أكثر أو زاد الشعر الأبيض في لحيتي وشعري وأصبحت عيناي أصغر، وهي تحبس منذ سنوات عمري كل اللقطات الحيّة، وكل ما سأقدمه في أفلامي هو فقط ما أتذكره، بينما علينا ممارسة النسيان أحياناً كي ننقذ أنفسنا ونعيش لأيام أجمل تتكرر فيها الأشياء ربما مع أشخاص آخرين كالحب والسينما، وقبل أن تنتهي التاسعة كنت في الصالة رقم 12 التي دخلتها متأخراً وهي مملوءة بالجمهور لمشاهدة أفلام المهر الإماراتي، وهي مسابقة خاصة للأفلام الإماراتية ضمن أقسام المهرجان، تم تحديثه قبل سنة ليكون منصة إماراتية خالصة لها وجود وقيمة وحضور، وكان المهر الإماراتي في بداية الكلمة التي ألقاها رئيس المهرجان في افتتاح المهرجان ليؤكد ثقة المهرجان بالفيلم الإماراتي.

لقطة

في سهرة بالفناء الخلفي لفندق القصر امتد حديثنا ساعات حول السينما والدراما مع صحن الشوربة والهواء البارد، المخرج عبدالله بوشهري والفنان خالد أمين وقبل أن يجمعنا عمل واحد قبل سنة لمهرجان دبي، وهو فيلم « ماي الجنّة » إلا أن هواجسنا تدفعنا دائماً إلى أن نتحدث دون توقف عن كل شيء، مثل الحب والسينما والدراما والسمك وسوق المباركية، ودبي التي تسكن في قلب الجميع إلا المعكرونة.

كاتب وسينمائي إماراتي .

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر