يا جماعة الخير

هل عفوت عند المقدرة ولو مرة؟

مصطفى عبدالعال

في حالة حرب مع كفار قريش بَعَثَ النبِي - صلى الله عليه وسلم - خَيْلاً قِبَلَ نَجْدٍ، فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ أسيراً، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَاري الْمَسْجِد، فَخَرَجَ إِلَيْه، صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ «مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ». فَقَالَ عِنْدي خَيْرٌ يَا مُحَمد، إِنْ تَقْتُلْني تَقْتُلْ ذَا دَم، وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِر، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ مِنْهُ مَا شِئْتَ ـ وكان النبي يتمنى إسلامه لما عرف عنه من مروءة وإنصاف ـ فتركه لليوم الثاني ثُم قَالَ لَهُ «مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ». قَالَ مَا قُلْتُ لَكَ إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِر. فَتَرَكَهُ حَتى كَانَ اليوم الثالث، فَقَالَ «مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ». فَقَالَ عِنْدِي مَا قُلْتُ لَك. فَقَالَ «أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ»، فَانْطَلَقَ إِلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنَ الْمَسْجِدِ فَاغْتَسَلَ ثُم دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلا الله، وَأَشْهَدُ أَن مُحَمدًا رَسُولُ الله، يَا مُحَمدُ وَاللهِ مَا كَانَ عَلَى الأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلي مِنْ وَجْهِك، فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَب الْوُجُوهِ إِلَي، وَاللهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَي مِنْ دِينِك، فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَب الدينِ إِلَي، وَاللهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضُ إِلَي مِنْ بَلَدِك، فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَب الْبِلاَدِ إِلَي، وَإِن خَيْلَكَ أَخَذَتْنِي وَأَنَا أُرِيدُ الْعُمْرَة، فَمَاذَا تَرَى فَبَشرَهُ رَسُولُ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِر، فَلَما قَدِمَ مَكةَ قَالَ لَهُ قَائِلٌ صَبَوْت. قَالَ لا، وَلَكِنْ أَسْلَمْتُ مَعَ مُحَمدٍ رَسُولِ الله، وَلاَ وَاللهِ لاَ يَأْتِيكُمْ مِنَ الْيَمَامَةِ حَبةُ حِنْطَةٍ حَتى يَأْذَنَ فِيهَا النبيِ صلى الله عليه وسلم.

لماذا أجرى الله حدثاً كهذا وجعله تشريعاً ضمن سنته، صلى الله عليه وسلم، الفعلية، فضلاً عما ورد كثيراً مثله في سنته القولية وسنته الإقرارية؟ أليس ليكون مثلاً عملياً لكل من قدر على خصم له سواء كانت الخصومة مالية أو عائلية أو حتى بين الزملاء وظيفيةً؟ وهل هناك أشد مما آذى به صناديد قريش رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في تسفيه عقله وتشويه عرضه وإيذاء بدنه ومطاردته هو ومن معه وأخذ أموالهم وتقتيلهم؟ ولننظر لما مكنه الله منهم ويدخل مكة بأمر الله، وبسلطان القائد المنتصر حين يأَتَي الْكَعْبَةَ يأَخَذَ بِعِضَادَتَيِ الْبَابِ ويقول: مَا تَرَوْنَ أَني صَانِعٌ بِكُمْ؟ فلما قَالُوا: نَقُولُ ابْنُ أَخٍ وَابْنُ عَم حَلِيمٍ رَحِيم، ثَلاَثًا، يقول صلى الله عليه وسلم: «أَقُولُ كَمَا قَالَ يُوسُفُ لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الراحِمِين، اذهبوا فأنتم الطلقاء». فَيخَرَجُون كَأَنمَا نُشِرُوا مِنَ الْقُبُورِ ويدَخَلُون فِي الإِسْلاَمِ فرادى وجماعاتأ..

أتمنى على كل قارئ أن يسأل نفسه هل فعلت مرة في عمرك عفواً عند المقدرة وأنت تعلم هذا الهَدْيَ الهادي من البشير النذير صلى الله عليه وسلم؟

المستشار التربوي لبرنامج «وطني»

mustafa@watani.ae

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر