أبواب

التذوق السينمائي

قيس الزبيدي

يهدف كتاب «التذوق السينمائي» للان كاسبيار- ترجمة وداد عبدالله، الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب 1989- إلى إلقاء الضوء على الطبيعة الخصوصية للوسيط الفيلمي ومادته الأساسية، أي عناصره البصرية والسمعية وتأثيرها السينمائي في قدرات المتفرج الإدراكية والانفعالية، منطلقاً من جملة ذكية وردت في كتاب «علم الجمال» لمونرو برسلي: أنْ نقول ما هو الموضوع الجمالي شيء، وأنْ نقول كيف يُؤثر فينا شيء آخر.

في الأدب، مثلاً، يحصل تأثيره في قراء متفاوتين، منهم القارئ النموذجي والقارئ المُلم بفنون اللغة والقارئ المُطلع والقارئ المُستهدف الذي يُنتَج له كتاب، يُوَجِه إدراكه ويناسب «أفق توقعاته»، وهو في السينما المشاهد ذاته الذي لايزال يُشكل معظم المشاهدين.أ

وقد سبق ليوري لوتمان في كتابه «قضايا علم الجمال السينمائي» أنْ طَرح سؤاله الراهن: كيف يمكن جعل السينما التي بلغت درجة عالية من التعقيد السيميائي الدلالي، في متناول جمهور شديد التفاوت في مستواه الثقافي؟ وفي هذا الصدد يبين أستاذ السيناريو سيد فيلد، كيف أن قدرة الجمهور في فهم الفيلم ومعرفته بعناصر الشكل والحدث والشخصية والموقف، تجعل من الفيلم فيلماً جيداً، وتخلق جمهوراً يقرأ ويقوم ما يشاهد، حينما يذهب إلى السينما.

قد يبدو للبعض أن دراسة خواص الفيلم المرئية، لا تهم، بالدرجة الأولى، سوى صناع الأفلام، لكنها في الواقع خواص يُمكن، أيضاً، إدراكها من قبل رواد السينما الذين كلما تسنى لهم معرفة خواص الفيلم، تيسّر لهم فهمه وحصلوا، باستمرار، على متعهم الجمالية أثناء المشاهدة.

يحلل الجزء الأول من الكتاب العناصر المرئية، انطلاقاً من دراسة تعدد دلالات الوسائل الفيلمية العديدة، كالتدرج اللوني والعلاقة بين استخدام الأسود والأبيض والملون واستخدام السالب والموجب ونوع العدسات وتأثيراتها في تأطير تشكيلية الصورة، إضافة إلى التوليف وقواعده الإيقاعية في بناء استمرارية ولا- استمرارية الفيلم وتبيان دور مؤثراته البصرية الأخرى. ولا يستثني الكاتب أي عناصر من عناصر الفيلم التعبيرية بالكامل، بل يُبين طرق استخداماتها المُبتكَرة.

كذلك يتناول المؤلف بالشرح الكيفية التي تخلق الصورة السينمائية الواقع- واللا-واقع وينصرف إلى فحص دقيق للأساليب السينمائية ولبعض أسس نظرية النقد السينمائي ويستشهد بأكثر من 80 مشهداً من أهم الأفلام الصامتة والناطقة لأشهر المخرجين التي أُنتجت من عام 1919 إلى عام أ1972 مثل مقصورة الدكتور كاليغاري لفينيه 1919 وأكتوبر لإيزنشتين 1928 وسارق الدراجة لدي سيكا 1947 وفراولة البرية لبرغمان ،1957 واللاهث لغودار 1959أ وسكين في الماء لبولانسكي 1962 ومعركة الجزائر لجيللو بونتفيكوفر والمحاكمة لويلزأ وبوني وكلايد لآرثر بن 1967 والموت في فينيسيا لفيسكونتي 1971 والعرّاب لكوبولا .1972 ويجد الكاتب، بالنسبة للصوت، أنه يشكل بنسيجه وموقعه ونوعيته وعلاقته أو غيابه وسيلة أخرى للإحساس بحدث الفيلم وفهمه. ويحاول أنْ يبرهن عن طريق تحليل وظيفة الحوار والموسيقى والمؤثرات في فيلم «المواطن كين»أ لويلز 1940أ ليصل إلى تفنيد الفكرة الشائعة التي لا تجد في الفيلم، أولا، سوى أولوية جانبه البصري، بينما ينطلق هو، عكس ذلك، من تحليله ليخالف هذا التعميم ويعده غير صائب.

alzubaidi0@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر