أبواب

مَن الإماراتي؟

سالم حميد

غالباً ما أستقبل في العام الواحد بين اثنين وثلاثة طلبة دكتوراه أوروبيين، أغلبهم ممن يدرسون العلوم الإنسانية، وموضوعات أطروحاتهم حول الإمارات من جوانب عدة، يغلب عليها الجانب الثقافي، وبدوري أقوم بتوجيه النصح والإرشاد وتصويب الأخطاء لتجنب نشر المغالطات، وتزويدهم بالمعلومات وأهم المراجع، خصوصاً بعد أن لاحظت أن معظمهم يعتمد على الكتيبات والمنشورات السياحية، وهذا ما لا يجوز أكاديمياً، ولكن شح المصادر بلغاتهم دفعهم إلى هذا الشيء. وفي العام الجاري ارتفع عدد الطلبة الذين استقبلتهم إلى ستة، آخرهم منذ بضعة أيام طالبة ألمانية فاجأتني بسؤالها الأول: كيف أستطيع الحصول على جنسية الإمارات؟، أجبتها باسماً: يبدو أنكِ أتيت إلى الشخص الخطأ! فقالت إن حبها لهذه البلاد ولأهلها منذ أول زيارة دفعها إلى كتابة رسالة الماجستير حولها، وتستكمل الآن رسالة الدكتوراه حول السلوك الاجتماعي للمواطن الإماراتي في ظل التنوع الثقافي المتعدد الذي يعيشه.

أخبرتها: بلدنا ولله الحمد غني بمكوناته وتاريخه وماضيه وحاضره، بلد أراد له حكامه الكرام أن يكون خير البلدان، فرعوه وطوروه واعتنوا به، ليغدو مضرب المثل وقبلة الملايين. فالإمارات بلد متطور حضاري مواكب لأحدث العلوم والتكنولوجيا، فحين تتجول في شوارع الإمارات تلحظ تقدمًا في جميع المجالات، سواء كانت عمرانية أو تقنية أو بيئية، تطوراً على كل الصعد، حتى إننا تفوقنا على كثير من الدول المتقدمة في استخدامنا أحدث التقنيات وتقديم أفضل الخدمات، التي تعمل على راحة سكان الدولة بمختلف انتماءاتهم ومشاربهم. فقاطعتني الطالبة: ولكن الإمارات أهملت هويتها الوطنية وثقافتها المحلية! أجبتها: لا أحبذ كلمة إهمال، قد يكون هناك تقصير، ولكننا نسعى عبر مؤسساتنا المعنية للحفاظ على الهوية الوطنية وسط هذا التنوع الكبير، فالإمارات مع كل ما ذكرناه من تقدم وتطور لم تهمل هويتها الوطنية وثقافتها المحلية، ولم تخرج من جلدها، بل حافظت على أصالتها وتراثها وثقافتها، ولقد حقق هذا المزيج الفريد في الإمارات علامة ميّزت هذا البلد ليصبح مضرب المثل وقبلة الزوار وطالبي العمل، فهذا المزيج بين الماضي والحاضر يظهر بلادنا بأبهى صورة، بلد يعبق برائحة الماضي ونضارة المستقبل. بلدنا مميز ومواطنونا مميزون وعائلاتنا مميزة، فنحن نحمل الهوية الإماراتية. الطالبة: سؤال آخر، مَن الإماراتي؟

الإماراتي يعطف على الصغير ويحترم الكبير ويعطي الإنسان عزته وكرامته بغض النظر عن جنسيته، ويتميز الإماراتيون بالحفاوة العربية التقليدية والبساطة، فأغلبية الإماراتيين يبتعدون عن أجواء التكلف أو الرهبة، ويأنفون الكره أو الحقد، ويحترمون الجميع بغض النظر عن أصله أو دينه، وحساسون وعاطفيون، لكنها عاطفة ممزوجة بالنخوة والمروءة تجاه الآخرين، ويحب الإماراتي تكوين الصداقات ويثق بها ويمد يده للجميع بسلامٍ مفعم بالود والترحاب، ومن يظن أن الإماراتي مغرور، فليعلم أن ما يميز المجتمع الإماراتي انعدام الطبقية وسواسية الأفراد، فكل مجتمع على وجه الأرض له مقومات، منها الاجتماعية والتاريخية والسكانية التي تؤهله لمواكبة التطور الإنساني على مدى الأيام والسنين، إذاً نستخلص هنا يا عزيزتي عن الإماراتي أنه إنسان يتسم بالتسامح والتطلع نحو المستقبل، مع احتفاظه وتمسكه بعاداته وتقاليده المغروسة فيه.

الطالبة الألمانية: أعتقد أنك بنفسك أجبت عن استغرابك عن رغبتي في أن أكون إماراتية!

 لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر