كل جمعة

قمع الربيع المصري

باسل رفايعة

صعود التيار الديني المتشدد في مصر، ضمن خطاب مركزي ـ شديد التوتر والذاتية، يمثل نموذجاً دقيقاً لانقلاب فعلي على الربيع العربي، وهنا في نسخته المصرية، وما يعنيه ذلك من نتائج قد تجد لها تكراراً في ليبيا وسورية واليمن، إذْ من الواضح أن التجربة التونسية، خصوصاً فوز حزب النهضة في الانتخابات، ستنضم إلى سياق أكثر تمدناً واعتدالاً، وقبولاً بشروط الدولة المدنية واستحقاقاتها، بعيداً عن أية أصولية وتأصيل منهجي في الخطاب والممارسة.

نستعيد «ربيع براغ» الذي اندلع في يناير ،1968 وقضت عليه القوات السوفييتية في تشيكوسلوفاكيا، بعد شهور، في عملية عسكرية شرسة، لتمنع ثورة إصلاحية ـ ديمقراطية، وتؤخر مستقبلاً كان يمكن أن يبدأ في أوروبا الشرقية، ويعجّل بسقوط الشمولية والتسلط. نستعيد ذلك القمع التاريخي، ونحن نرى سطوة الأفكار الشمولية في التيار الديني المسيّس الذي يكاد يستولي على ثورة 25 يناير، إن لم يكن قد فعل، ويحوّل دوافعها وطموحاتها الإصلاحية إلى خراب ذهني شامل، لن تكون أول مظاهره في مؤسسات الحكم، وإنما ستصل حتماً إلى فساد عميم في التشريع والثقافة والدور في دولة مهمة مثل مصر.

نقرأ ونسمع في خضم هيمنة هذا التيار على الشارع المصري، في مرحلة ما قبل الدستور والانتخابات ما يؤكد أن العقل الديني في مصر ينفذ مشروعاً أصولياً، يسعى إلى إعادة هذا البلد إلى قرون سحيقة، بخطاب لا يُرسل تطميناً إلى أحد، ولا يعنيه أحد، سوى تلك المجاميع التي سحقها النظام السابق إنسانياً واقتصادياً، وباتت تبحث عن أي صيغة تحتوي من خلالها غضباً مزمناً، تؤججه عواطف، بعضها طبقي، وبعضها سياسي، وأكثرها طائفي، يسهل قدح شرارته أمام كنيسة أو مسجد.

يريد التيار الديني في مصر «حماية الديمقراطية» ويطرح ذلك شعاراً لمعارضته المبادئ الناظمة للدستور المصري الجديد. وكل ما يصدر عن التيار، وعن قياداته البارزة يشير إلى أنه لا يؤمن بالديمقراطية، ولا يعتبرها طريقاً صحيحاً لحُكم البلاد، لأن لديه «ديمقراطية» خاصة، بفلسفة خاصة، وليس من الضروري أن يوافق عليها أحد، أو أن تحظى بقبول في الشارع، مادامت صناديق الاقتراع ستجعل الأكثر فقراً وإحباطاً وتطرفاً يقررون مستقبل مصر، في ما يبدو أنه ديمقراطية، وهو ليس أكثر من غياب شكلها ومضمونها، ومادام قادراً على التلويح الدائم بمليونيات في ميدان التحرير.

لا يتولى التيار الديني المسيّس قمع الربيع المصري، وحده، فثمة حلفاء يستفيد من حضورهم، وقد باتوا يريدون الآن «ديمقراطية» سلفية، أبرز عناوينها أن يدفع 14 مليون قبطي الجزية، في عام ،2011 مع إلغاء السياحة التي يعمل بها ستة ملايين مصري، وما إلى ذلك من المفارقات والغرائب التي يمكن ملاحظتها بسهولة في برنامج المرشحة عن التيار السلفي للبرلمان المصري منى صلاح، وهي تزج في برنامجها الانتخابي بمحرمات سلفية بحتة، وترفع مستوى التنظير في البيولوجيا الإنسانية إلى أقصاه، حينما ترى أن النقص المؤكد لدى المرأة لا يؤهلها لمنصب الرئاسة.

ربما نسيت المرشحة التأكيد بأن الدليل الدامغ على فشل المرأة هو المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، التي تتصدر عاماً بعد عام كل قوائم المجلات المتخصصة كأقوى امرأة في العالم.

ولكنّه الجهل، لا يقلق أبداً..

baselraf@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر