كل جمعة

أكثر من لحوم

باسل رفايعة

يحتاج الفقراء العرب إلى ما هو أكثر من لحوم الأضاحي ليسدّ جوعهم، ويرفع من شأن إحساسهم بالكرامة والكبرياء. وأن تنهمك سيارات التوزيع في الدول العربية في مهمتها السنوية المصحوبة بحملات إعلامية عن مآثر الجمعيات الخيرية وحرصها على وجوب حصول الفقراء على حقوقهم الطبيعية من البروتين والكوليسترول، لا يكشف إلا عن قصور في فهم معنى الفقر، وفي فهم شروطه الاقتصادية والاجتماعية، فضلاً عن عقم كامل في النظرة إلى الحلول، إلا من زاوية معدة جائعة، وجسد هزيل، ورغبة في تناول وجبة مرتفعة الدهون.

الفقر ظاهرة عالمية، تزداد شراسة في العالم الثالث، ومنه بلادنا العربية، ونقرأ سنوياً عن خلافات في بلاد عربية على توزيع لحوم الأضاحي، وأحياناً عن فساد وغياب عدالة، وكل ذلك يشير الى ضراوة الجوع وانعكاساته الإنسانية السيئة على فئات تعيش بالحد الأدنى من الطعام، وما ينتج عنه من أمراض، وكلفة باهظة على اقتصادات الدول وموازناتها المنهكة.

لكن الأمر يحتاج إلى أكثر من هذا التضامن الموسمي، وتلك العواطف الغامرة في كل رمضان، وبعد كل حجّ، بما في ذلك من تركيز شديد على وفرة الموائد ودسامتها أياماً معدودة، يعود بعدها الفقراء إلى جوعهم المعتاد والمزمن، وتعود آلاف المنظمات غير الحكومية من جمعيات خيرية، وسواها، إلى الحديث عن إنجازاتها، وكم فقير أطعمت، في سياق من المنّ والأذى!

المطلوب مشروعات وطنية في كل دولة عربية، تتوجه الى الفقراء ليس بمعاشات إعانة فقط، وإنما ببرامج تنموية، تضع في اعتبارها تخفيف حدة الفقر وضغطه الأساسي على الصحة والتعليم، وما ينتج عن ذلك من مظاهر في كثافة سكانية تعاني الأمراض الوراثية والأوبئة، ومن خروج الأطفال من مقاعد الدرس إلى سوق العمل، حيث يبحثون عن الخبز، ويفقدون المعرفة، ومعها أي طريق صحيحة نحو مستقبل آمن.

نتراجع سنوياً على تقارير التنمية البشرية دولاً وشعوباً، ما يجعل البحث عن مكانة متقدمة لدولنا في حركة التأليف والترجمة ضرباً من الترف، فنحن لم ننجز القواعد الأساسية لبناء مجتمعات تتوافر لشرائحها الفقيرة معدلات معقولة من العيش والتعلم والرعاية الصحية، والأمر لا يتعلق كله بالمال، وإنما بسوء إدارته، أو توجيهه نحو المشكلات الكبرى والمعقدة التي يعانيها الفقراء، بدلاً من كل هذا الضجيج الموسمي على الطعام.

ولأن الدين بالغ العمق والأهمية في التكوين الذهني والنفسي للمجتمعات العربية، فما الذي يمنع المتخصصين في الجوانب الفقهية من الاجتهاد في فتاوى على تفهّم عال لتغيّرات العصر واحتياجاته، سعياً وراء استثمار مجدٍ ومنتج للسيولة النقدية الهائلة التي توفرها الزكاة والشعائر الدينية في رمضان والحج، وغيرها من المناسبات؟ بحيث تتحقق الغاية الدينية من الممارسة، ليس فقط في لحوم وموائد رمضانية، وإنما في مشروعات استثمارية ضخمة، تستفيد منها شرائح واسعة من الفقراء العرب، وتمتص وطأة العوز، وانعكاساته الخطيرة، وتقضي على الأمية التي ساهمت بفاعلية في إنتاج خصوبة سكانية عالية، ومتزايدة في بلدان عربية كثيرة، وباتت تشكل الآن عبئاً يومياً على التنمية، وتحدياً حقيقياً للاقتصاد.. وللحياة نفسها.

baselraf@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر