5 دقائق

أجهزة الانفصال

ميره القاسم

نعيش في عصر أصبحت فيه التكنولوجيا أكثر تطوراً وتسارعاً في التغيير من العلم الذي أنتج التكنولوجيا، عصر تبدلت فيه المفاهيم.. قديماً قال أبوالطيب المتنبي «وخير جليس في الزمان كتاب»، وأيضاً قال أمير الشعراء أحمد شوقي «أنا مَن بَدلَ بِالكُتبِ الصِحابا لَم أَجِد لي وافِيًا إِلا الكِتابا».. الآن لم يعد الكتاب خير صديق بل حلت محله تقنيات وتطبيقات الاتصال الحديثة، ولم تعد الأم مدرسة أو البنت سر أبيها، بعد أن ارتمينا جميعاً في أحضان الـ«آي فون» والـ«بلاك بيري» وإخوانهما.

بكل أسف دخلت التكنولوجيا بيوتنا فخرجت العلاقات الأسرية الحميمة، واستبدلنا دفء القرابة والمودة بألعاب الـ«فيديو جيم»، وأحدث البرامج التي نحرص على تنزيلها على أجهزتنا، حتى إننا أصبحنا نتفوق على جميع دول العالم في اقتناء جديد التكنولوجيا، حتى إنك لتجد في داخل بيوتنا أجهزة أكثر من أي بيت ياباني أو أوروبي أو أميركي، لكننا للأسف نأخذ أسوأ ما في التكنولوجيا ونترك أجود ما فيها، فنحن نستهلك التكنولوجيا ولا ننتجها، ونستخدمها فقط من أجل الترفيه والتسلية بدلاً من الفهم والعلم، ونتخذها وسيلة للانفصال عن العالم المحيط بنا بدلاً من أن تكون وسيلة للتواصل، فمن العجيب والغريب في الوقت نفسه أن وسائل الاتصال قربت البعيد وبعدت القريب.

الآن لم تعد البنت تتحدث مع أمها أو تهمس لها أو حتى تجادلها وتشاكسها، بعد أن أوقفت كل حياتها على الـ«آي فون» بأحدث صرعاته وبرامجه، ولم يعد البيت شيئاً يذكر بالنسبة للأولاد، فهم إما في الخارج مع الربع أو أمام التلفاز والإنترنت أو الـ«آي فون»، وكل ما على «لغة الآي آي» مع الاعتذار للأديب الراحل يوسف إدريس.

كثيراً ما نشاهد شباباً يجلسون على طاولة واحدة في «المول» أو المقهى، لكن قلوبهم وعقولهم شتى، كل في عالم خاص به مع جهازه، فهذا يلعب «فيديو جيم» والثاني يجري اتصالاً والثالث يكتب رسالة والرابع يستمع للموسيقى والأغاني، والعجيب حقاً أن أجهزة الاتصال أصبحت أكثر عوامل الانفصال عن العالم المحيط بنا، فأصبحنا كمن بين يديه سد ومن خلفه سد، فنحن صم بكم عمي لا ندري عن أحبائنا شيئاً، وكأن اللامبالاة تغلغلت في جيناتنا الوراثية وأصبنا جميعا بفيروس الأنانية.

بالفعل أصابنا الفيروس فـ«هنجنا» جميعا كباراً وصغاراً، وأصبح الحل الوحيد يكمن في عمل «فورمات» لعقولنا وتقنين استخدام تلك الأجهزة، خصوصاً أطفالنا الذين نتركهم صغاراً للمربيات ومراهقين للـ«بلاك بيري» والـ«آي فون».

هي بالطبع ليست دعوة لمقاطعة الوسائل التكنولوجية، لأننا لو طلبنا هذا فنحن بالتأكيد نطلب المستحيل، فحياتنا باتت مرهونة بالتكنولوجيا، لكنها دعوة لضرورة البحث والتنقيب ومراقبة آثار التكنولوجيا في حياتنا.

wahag2002@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر