أبواب

كي لا ننسى

سالم حميد

كان مجموع السفن الحربية البريطانية المتوجهة نحو رأس الخيمة 33 سفينة وفرقاطة حربية وسفينة نقل، وتراوح عدد مدافع كل سفينة من 10 إلى 50 مدفعاً ضخماً، هذا بخلاف المدافع الأرضية، و75 قارباً لنقل الجنود، وحرصت بريطانيا على استخدام أحدث تكنولوجيا وأحدث الآلات الحربية، وطاقم عسكري محترف، لأن بريطانيا كانت راغبة في حسم أمر «ساحل القراصنة»، حسب كذبهم، وغير راغبين في دخول حرب على المدى الطويل، فتذرعت بالقرصنة! ولكن الحقيقة هي خشيتهم من تنامي القوة البحرية لمشيخات «إمارات الساحل»، وبعد نجاح حملتهم وتدمير نحو 200 سفينة حربية لإمارات الساحل واصل الأسطول البريطاني غزوته الهمجية المبرمجة في التدمير، وتوجه نحو أم القيوين ودمر حصونها وميناءها وسفنها، والأمر نفسه تم تطبيقه في عجمان والشارقة ودبي، ونالت كل مدينة في الساحل نصيبها من القتل والتدمير، وقبل أن تعود الحملة إلى بومبي توجهت إلى البر الفارسي للبحث عن أية سفينة تابعة لأية إمارة من «إمارات الساحل» وقامت بقصفها وإغراقها في البحر بمن فيها، رغم أن أغلبية تلك السفن كانت تجارية ولنقل البضائع، ولكن الشرر كان يتطاير من عيون البريطانيين، واللغة الوحيدة التي يفهمونها هي لغة المدافع.

لم ترغب بريطانيا في دخول مواجهة بحرية مع أسطول رأس الخيمة في الخليج، وفضلت مفاجأة المدينة وتطويق مينائها وقصف سفنها، ولم تتمكن رأس الخيمة من تحريك سوى 10 سفن من أسطولها، وانهزم أمام الأسطول البريطاني، وبتاريخ 30 نوفمبر 1819 تمكن مقاتلو رأس الخيمة من نقل عدد كبير من النساء والأطفال وممتلكاتهم بعيداً عن الساحل، وبلغ عدد المقاتلين نحو ،4000 فيما بلغ عدد جنود الأعداء نحو الضعف.

بتاريخ الثالث من ديسمبر 1819 بدأ التراشق المدفعي بين الطرفين، وكانت الدفاعات الأرضية في المدينة تقصف السفن البريطانية بكثافة عالية دفعتها للتراجع والابتعاد عن مرمى مدفعية رأس الخيمة، وتمكن المقاتلون من تعزيز مواضعهم وخنادقهم الدفاعية، الأمر الذي دفع بالبريطانيين الى إنزال أول دفعة من الجنود، عددهم ،500 في موقع يبعد عن المدينة مسافة ميلين، وفي اليوم التالي كان التراشق المدفعي أشد كثافة، والمدينة تحترق والبيوت تُهدم والحصون تخترقها القذائف، وتمكنت كتيبة بريطانية أخرى من النزول، وأثناء قيامهم بتجهيز بطاريات مدافع أرضية تعرضوا للقصف من قبل مقاتلي رأس الخيمة، وتم تدمير الدفاعات البريطانية، وبعد مرور يومين نفد مخزون رأس الخيمة من القذائف، ما ساعد البريطانيين على تكثيف عمليات الإنزال والاشتباك المسلح، ولكن فرقة من فدائيي رأس الخيمة جازفت بالتقاط القذائف البريطانية التي لم تنفجر بعد لإعادة استخدامها، ولكنها قليلة ولن تحل مشكلة نفاد مخزون القذائف، فقام الشجعان باستخدام الصخور عوضاً عن القذائف لإطلاقها على رؤوس البريطانيين، بينما المدفعية البريطانية مستمرة دون توقف في قصف المدينة بوحشية، تدكها دكاً والجثث تتناثر هنا وهناك في معارك مثيرة، وفاحت رائحة الموت التي صاحبها عويل النساء والأطفال الذي ملأ الأسماع. كما لعبت المرأة دوراً بطولياً، وتسللت مع الرجال في إحدى ليالي المعارك للانقضاض على الجنود البريطانيين، وقتلوا نحو 200 بريطاني في ليلة واحدة، وسقطت المرأة أيضاً بجانب الرجال لروي الوطن بدمائهم الطاهرة، وبلغ عدد قتلى رأس الخيمة أكثر من 1000 قتيل.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر