5 دقائق

ميره القاسم

لم يشهد التاريخ أطول من نكتة معمر القذافي، التي استمرت 42 سنة، لكنها كانت نكتة ثقيلة الدم من حاكم عشوائي مثل «التوك توك» الذي ركبه في أيامه الأخيرة، ولم يكن الشعب الليبي بكل تأكيد يستحقه. كان القذافي متفرداً في كل شيء ملابسه.. كتابه الأخضر، نهره العظيم، وخيمته، وحرسه. كان كتابه أخضر ونهايته حمراء، عقله أبيض وحاضر شعبه أسود.. سعى لامتلاك القنبلة النووية وانتهى بركوب «التوك توك»، ويذكرني بالمغني الشعبي المصري الشهير شعبان عبدالرحيم بملابسه التنكرية وآرائه المضحكة وأغانيه ذات الوتيرة الواحدة «اييييييييييه». في المقابل لم يكن مشهد قتله بعد اعتقاله حياً نبيلاً يليق بثوار ليبيا، ما أدخل الشفقة في قلب بعض من شهد اللحظة، لكن على من يتباكى على مقتله أن يتذكر آلاف المعارضين الذين اختفوا أو قتلوا أو قبعوا وراء قضبان سجون تنتمي للعصور الوسطى لا يعرفون لهم بداية من نهاية.. أن يتذكر أحلام شعبه التي وأدها وثروته التي بددها ومستقبله الذي هدمه وحاضره الذي دمره. ربما خسرنا مشهد محاكمته وعندها كنا سنكتشف مَن الذي تربح من وراء استمرار ه في الحكم وجبروته طيلة هذه السنوات، ومن كان يبرر له ويدافع عنه، وربما خسرنا ساعات أخرى من الابتسامات، لكنه كان سيكون ضحكاً كالبكاء، وفي مقابل ذلك كسبنا المستقبل، غداً جديداً خالياً من خيمته وخيبته ونظرياته الفلسفية. بدأ القذافي فصل نهايته بتساؤله الخالد «من أنتم؟!» وكان الرد الحاسم من أبناء بنغازي وطرابلس. ولم تَحُلْ أسلحته ولا طائراته ولا كتائبه ولا حتى «التوك توك» أو أنبوبة الصرف الصحي التي اختبأ بداخلها ، بينه وبين نهايته المأساوية. لا يستحق القذافي شفقة أحد على هذه النهاية لأنه لم يشفق على أحد طيلة سنوات حكمه، ومن المؤكد أن الآتي أفضل لأحفاد عمر المختار، على ألا ينظروا إلى الخلف بغضب بل «إلى الأمام» كما كان ينادي القذافي أتباعه، ولكن هذه المرة بتفاؤل وأمل.. وأخيراً نحن لا نتشفى في القذافي الميت لكنها دعوة إلى العمل والبناء والحرية والعدالة والديمقراطية، حتى لا نفاجأ بـ«توك توك» آخر و40 سنة أخرى، وعندها لن يرحمنا التاريخ ولن يحترمنا العالم ولن ينتظرنا الزمن.

wahag2002@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر