أبواب

القذافي.. والخيال المريض

محمد المرزوقي

تشكيل العقل البشريّ يرتبط أشدّ الارتباط بمرحلة الطّفولة، فالخيال العقلي يكون عند الطّفل طليقاً لا قيود له، غير أنّ سنوات من التّربية السليمة وما يصاحبها من ثواب وعقاب، والتّعليم الجيد وما يصاحبه من تصحيح للمفاهيم، لهما أكبر الأثر في كبح جماح خيال الطّفل والسّير به في طريق النّضج الإنساني، ليصبح عقل الشّخص الذي كان كالأميبيا ـ في الطّفولة ـ لا ضابط ولا رابط له، إلى عقل قد ارتقى عبر سنوات النّضج إلى عقل صالح للاستخدام!

قد يحدث خللٌ ما أثناء فترة النّضج ، ناتجٌ ـ في أغلب الأحيان ـ عن نقصٍ في التربية/التعليم، يجعل الشّخص البالغ فسيولوجياً بعقل طفل، ولعلّ العبارة الدّارجة «فلان ياهل» تلخص المسألة برمتها. فعندما نصف شخصاً ـ بناءً على تصرّفاته أو أقواله ـ بأنّه طفل، فنحن نذمّ فيه عدم نضج تفكيره/عقله!

حين كنت أسمع قصص الأنبياء ـ وأنا طفل ـ أو أقرأ عن المعجزات التي كانوا يقومون بها، كنت أتمنّى أن أكون أحدهم، أو يكون لديّ بعض من معجزاتهم وقدراتهم الخارقة للعادة! لذلك عندما سألني المدرّس يوماً ذلك السّؤال الذي يسأله جميع المدرّسين في العالم لطلابهم: ماذا تريد أن تصبح عندما تكبر؟ لم تكن إجابتي كطفل سوى «أن أكون نبياً»!

ثم أخبرني المدرّس، بعد أن مارس حقوقه التّعليمية في الضرب قبل أن تصادره وزارة التّربية والتّعليم، بأنّ النبوة ليست وظيفة، وأنّ من يكونون أنبياء هم رجال بمواصفات خاصّة، والأهم من ذلك أنّ الله هو الذي يختار من يكون نبياً!

هذه القصّة هي النّافذة الوحيدة التي أستطيع أن أطلّ من خلالها على الشخصيّة المعقّدة للرّئيس المخلوع معمر القذافي، فسيرة حياة هذا الرّجل وممارساته المجنونة كانت توحي بأنه هو الآخر كان منبهراً بالنبوة وسعى لادعائها طوال حياته، إذ إنّ سفره الموسوم بـ«الكتاب الأخضر» كان مريدوه يتعاملون معه بقداسة.

في آخر خطاب ـ مفهوم ـ له، يؤكّد العقيد هذه الفكرة «لو كنت رئيساً أيها الجرذان لرميت استقالتي في وجوهكم»!

فإذا افترضنا أنّ ادعاء النبوة وظيفة، فهو الوظيفة الوحيدة التي لا يمكن أن يستبدلها صاحبها بوظيفة أخرى. إدراك القذافي هذه الحقيقة، جعله يعترف في غير مرّة بأنّه لن يترك السّلطة إلا ميتاً، وسيقاتل بآخر مسدس ذهبي يملكه لآخر قطرة دم يملكها!

لذلك اطمأن جميع الذين تنزّلت عليهم رحمة ـ مفتعلة ـ من السماء حين رأوا القذافي مقتولاً، أنّ العقيد حصل على الميتة التي كان يتمنّاها، مع فارق بسيط، فهو لم يكن سوى نبي للشيطان. واطمأن كذلك كلّ الذين أصابتهم غيرة ـ مفتعلة ـ على مستقبل ليبيا ومن سيحكمها، بأنّه حتّى لو جاء إبليس ـ شخصياً ـ وتسلّم السّلطة في ليبيا ،فسيكون أقلّ وحشية وجنوناً من العقيد معمّر القذافي!

al-marzooqi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر