أبواب

ذهنية التحريم والتفكير العلمي

قيس الزبيدي

سبق للزميل باسل رفايعة أن كتب في «الإمارات اليوم» حول «هزيمة التنوير»، وبيّن أن «أكثر نجاحات النظام العربي وضوحاً، خلال العقود القليلة الماضية، هو في سماحه لذهنية التحريم بالنمو والنضوج الكمي والنوعي في المدارس، والمؤسسات التعليمية، وفي الإعلام، وكذلك في الهياكل التشريعية، ومؤسسات المجتمع المدني (...) من أجل ضمان هزيمة مستمرة وغياب دائم لتيارات الحداثة والتنوير، ومظاهرها الليبرالية واليسارية». وسبق للدكتور فؤاد زكريا أيضاً أن أكد في كتابه المهم «التفكير العلمي» - سلسلة عالم المعرفة (3) 1978 - أن موضوع التفكير العلمي هو موضوع الساعة في العالم العربي، وأننا نحن الذين لا نكف عن الزهو بماضينا العلمي المجيد، مازلنا في حاضرنا نقاوم العلم والتفكير العلمي أشد مقاومة. وتنشط الدعوة عندنا، في أغلب الأحيان، في الدفاع عن العناصر اللاعقلية في حياتنا، وفي الهجوم على أية محاولة، تسعى لإقرار أبسط أصول التفكير المنطقي والعلمي المنظم، لجعلها أساساً ثابتاً من أسس حياتنا.

وقد سبق للروائي يوسف القعيد، أيضاً، أن نشر مقابلة في جريدة الدستور عنوانها «المدافع العظيم عن الحرية والعلم والعقل»، جاء فيها «الدكتور فؤاد زكريا قال لي: مر علينا قطار العلم والتكنولوجيا دون أن يغيّر في داخلنا الشيء الكثير. وظلت عقولنا تعاني الازدواجية المألوفة بين حياة خاصة تنتمي إلى صميم العصر، وفكر داخلي مازالت تعشش فيه أوهام العصور الوسطي وخرافاتها. السبب؟ هو ذلك الانفصال الحاد بين أنظمة الحكم، بين الحكام والشعوب على مستوى الوطن العربي كله تقريباً، لأن أنظمتنا تؤمن بأن بقاء الشعوب العربية في حالة الجهالة يساعد على الإمساك بزمامها والسيطرة عليها، ولأن بقاء استمرار التفكير الغيبي والخرافي يؤدي حتماً إلى إفراز تفكير لا عقلي، بينما خروج العقول إلى النور يؤدي إلى انتشار روح التمرد والثورة. أما بالنسبة إلى الحجج التي تقول بأولوية تغيير تفكير الناس، قبل الشروع في تغيير ظروفهم، فدعوتها دعوة معكوسة أو مقلوبة، لأن العقول لا تبدأ في التغيير، إلا بعد أن تتغيّر الأوضاع».

في الوقت الذي مازلنا نعاني فيه خوفاً على مستقبلنا من هيمنة علم الآخرين على مصائرنا، فإن البلدان المتقدمة بدأت تشعر بالخوف من النمو السريع المذهل للبحث العلمي في بلدانها. وعلينا الآن أن نعترف بأن الربيع العربي الذي دخل عالمنا العربي من أضيّق أبوابه، مازال يدعونا بصوت عال إلى تجاوز ما سبق أن سماه المفكر فؤاد زكريا مرحلة اجترار الماضي والتغني بأمجاد الاجداد، وأنه آن لنا أخيراً أن نعترف بأن الأسلوب العلمي في التفكير هو ملاذنا الوحيد، وأن المعركة التي يخوضها الدين السياسي، بكل أشكاله، من أجل تسلم السلطة، في مرحلة بناء الديمقراطية، هي التي ستعيق، كما يبدو الأمر جلياً، جهود قوى مجتمعاتنا المتنورة في اللحاق بركب العصر العلمي، لكي يتسنى لجميع قوى المجتمع السياسية الدخول إلى مملكة الحرية.

حريتنا أنْ نزن كل شيء بميزان واحد، هو ميزان العلم، لأن مصير معركة الديمقراطية، هو مصير معركة حرية التفكير العلمي نفسه.

alzubaidi0@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر