من المجالس
ربيع الدم
أشجار الربيع العربي صارت تزهر ورداً بلون الدم، ورائحة الجثث المثقبة ببارود الرغبة في الانتقام، فعبر عقود من الزمن عُبئت مواسير القلوب بشحنات من الإحساس بالقهر والضغط على مكامن الكرامة، حتى وصلت إلى لحظة الانفجار، وأي انفجار إذا كان مصدره بركاناً تزفره نفوس البشر، بعد أن كادت أن تنسى آدميتها.
أنصار هذا المشهد يقولون إن الدم سال عندما رد الطغاة على الكلمة بالبندقية وقابلوا الهتاف بالقتل والتنكيل، ولذلك حسب هؤلاء، فإن أي ثورة بلا دماء تكون ناقصة، وأي تغيير بلا اجتثاث لرموز و«أزلام العهد السابق» معرض لأن يجهض قبل أن يكتمل نموه داخل شرنقته. ووسط هرج ومرج المرحلة تصبح الحقيقة مشوهة والحق عرضةأ للخطف، لكن الحقيقة التي لا يمكن حجزها بغربال هي أن الأوضاع في الشارع العربي لم تعد كما كانت قبل اشتعال «حريق البوعزيزي». أشياء كثيرة تغيرت، وأمور جمة تبدلت، ومفاهيم وصور نمطية عدة عن الإنسان العربي سقطت حتى أصبحت أخباره تتصدر كل نشرات الأخبار في العالم، وصوره تحتل أعلى الصفحات الأولى في صحفه، وأصبحت حركته مصدر إلهام ومحاكاة حتى في دار عدوه.
هذه الحقائق عن هذا الإنسان العربي بدت مفهومة لدول العالم، شرقه وغربه، بينما لاتزال محل تجاهل داخل بيئته ومجتمعاته. وعلى الرغم من صور الجثث المتراكمة وبقع الدم التي تغطي أماكن الشارع العربي، فإن غرور القوة ووهم السلطة أصدق أنباء لدى الطغاة من كل الألوان والأحزان.
الشلال ماض، ولا يبدو في الأفق ما يوقفه، لأن نقطة العودة بالنسبة لمن حطم صنم نفسه شبه مستحيلة، والانسحاب بالنسبة لمن أوغل في الدم يعني الذهاب بقدميه إلى حمام الدم، فيا سلام سلم.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .