أبواب

أنْ تعلم أنّك لا تعلم

قيس الزبيدي

احتلت قضية الجنس والنوع الأدبيين في تاريخ النظرية الأدبية مكانةً محورية، وخضعت في كل دراسة إلى اختبار نقدي، بغض النظر عن اختلاف المداخل وتباين النظريات. ويحق لنا أن نتساءل -كما يرى د. عبدالملك مرتاض- من أين أتى ويأتي سوء الفهم عند بعض النقّاد العرب المعاصرين الذين لا يكادون يُميّزون بين الجنس والنوع، كما لا يُميّزون بين اللغة واللسان؟ كذلك نرى مترجمي الأدبيات السينمائية، يخلطون بين الجنس والنوع، خلْطاً شديداً، وقلما نجد في المعاجم الحديثة إشارة إلى النوع، سوى أنه الجنس نفسه، وحينما نعود « مثلاً » إلى « معجم المصطلحات الأدبية » نجد أن كلمة جنس أصلها فرنسي، يختلط فيها تعريف الجنس بالنوع ولا نعود نعرف كقراء هل المقصود بالجنس الأدبي الأنواع الأدبية أم المقصود بالأنواع الأدبية الجنس ذاته؟

في كتابه « نظرية الأجناس الأدبية في التراث النثري جدلية الحضور والغياب » -في الأصل أطروحة دكتوراه- يفتتح الدكتور عبدالعزيز شبيل في دراسته الشاملة والموسعة حول الجنس الأدبي بحكمة للأصفهاني: « فمن العلم أنْ تعلم أنّك لا تعلم، وعلم الإنسان بجهله احدُ العلمين ». ويبحث الكتاب في بابه الثاني في الكيفية التي تعامل فيها النقد الغربي والنقد العربي الحديث والنقد العربي القديم مع قضية الأجناس.

يُقصد بدلالة لفظة الجنس الضرب من الشيء ويُقصد بدلالة لفظة النوع الضرب من الشيء، لكن يمكن حصر دلالة لفظة النوع، حسب الاشتقاق، في معنى التمايل أو التذبذب، لذلك يقال تنوّع الغصن، والتنوع يعني التذبذب، وتنوع الشيء يصير، حسب « تاج العروس »، أنواعاً. ويرى الجرجاني أن الجنس اسم دال على كثيرين مختلفين، وأنه لا يكون جنساً، حتى يختلف بالنوع.

كيف تبدو هذه القضية في نظرية النقد السينمائية؟

في دراسة كريستيان ميتز الريادية، حول اللغة السينمائية، ويخضع فيها للتساؤل مصطلحيّن مهميّن: هل السينما لغة أم لسان؟ لكن نرى دراسته تتعرض لسوء فهم شديد، حينما يُترجم مصطلحاه إلى « الألمانية » مثلاً، وهي لغة لا توجد فيها كلمة لسان! لهذا نرى أن الاختلاف في قواميس اللغات ومعاجمها المختلفة، يخضع باستمرار لوضع قواميس خاصة بالكلمات الأجنبية.

عندنا في السينما الفيلم الروائي والفيلم التسجيلي، وهو ما يعني، منطقياً، أن كل نوع فيلمي يجب أن ينتمي إلى أحد هذين الجنسين. وفي حال ارتأينا أن السينما، عموماً، هي جنس فني، فسيكون الروائي، عندئذ، نوعاً فنياً والتسجيلي نوعاً فنياً أيضاً، غير أننا في الواقع لا نجد في الإنتاج السينمائي، تاريخياً، سوى مصطلح الروائي الذي يدل على أنواع كثيرة: كأفلام المغامرات والبوليسية والخيال العلمي.. الخ ومصطلح التسجيلي الذي يدل أيضاً، على أنواع مختلفة: كالأفلام الدعائية والواقعية والأرشيفية وفيلم الطقوس والعادات.. الخ.

الكلي، إذن، جنس. على هذا ينتمي أي نوع من الأفلام إما إلى جنس الروائي، وإما إلى جنس التسجيلي، ويحصل أن يمتزج، في بعض الأفلام، أكثر من نوع: بوليسي- كوميدي أو يمتزج في بعضها جنس الروائي وجنس الوثائقي:-درامي- سياسي.

من هنا يتأتّى على النقد السينمائي، أن يميّز، من الناحية الشكلية والمضمونية، نوع الفيلم الذي يتناوله، من دون أن يهمل، طبعاً، توقعات الجمهور الذي يُفضّل مشاهدة نوع الأفلام التي لا يحب سواها.

alzubaidi0@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر