يا جماعة الخير

الدخل المحدود ونبي الله عيسى

مصطفى عبدالعال

أصحاب الدخل المحدود يعرفون حدودهم كما يعرف الناس حدود الحرم، ومن لزم حدود الحرم فإنه في الحرم، ومن تجاوزها أصبح خارج الحرم. والدخل المحدود هو الثابت (كمعاش مقطوع) بصرف النظر عن كونه 100 أو مليوناً وليس المحدود يعني القليل، فمعنى: إلزم حدك أي لا تتجاوزه، قال ربنا: {تلك حدود الله فلا تقربوها}، ومرة قال: {فلا تعتدوها}، أي لا تقترب من حد وضعه الله لشيء، ولا تتعد حداً وضعه الله لك. فالعاقل يتحرك في حدود دخله قل أو كثر، فإن تجاوز لمستوىً أعلى سيصبح مديناً، ومع الوقت تتراكم ديونه، فيكتئب ويشكو الفقر أو يتسول أو يقترض ما يعجز عن سداده، فيصبح عالة أو يلجأ إلى الحرام فيرتشي أو ينصب أو يسرق في مجال عمله أو مال امرأته أو يضرب الشيكات بلا رصيد وربما يقتل، ولا شك ستؤول حاله إلى السجن أو الضياع طليقاً. والخلل ليس في دخله المحدود، وإنما في نفسه غير المتوازنة.

يُحكى أن أحد الطامعين أراد مرافقة نبي الله عيسى، فأراد نبي الله أن يضرب به للناس مثلاً، فركبا مركباً وطال الوقت والرجل جائع قلق لا يدري من أين سيأتي عيسى بطعام، فلما اشتد جوعه اشتكى له، فدعا النبي ربه فنزلت مائدة من السماء عليها ثلاثة أرغفة فأعطاه رغيفاً وأخذ رغيفاً، فسأله الرجل: لمن الثالث يا نبي الله؟ قال ربما التقينا بجائع أو فقير، وظل الطماع متطلعاً إلى الرغيف حتى استغل فرصة نام فيها نبي الله، فأخذ الرغيف وأخفاه أو أكله، ثم لما سأله نبي الله: من الذي أخذ الرغيف؟ أنكر وقال لا أدري، فانطلقا ولما جاعا مد نبي الله يده للماء فخرجت سمكة كبيرة شواها وطعماها معاً، ثم جمع نبي الله عظام السمكة ومسح عليها بيده، فعادت سمكة حية كما كانت، وأطلقها في الماء والرجل في ذهول فقال نبي الله: بالذي أراك هذه الآية من الذي أخذ الرغيف؟ قال الرجل: لا أدري فانطلقا، حتى نزلا بوادٍ، فأوقد عيسى النار واصطاد صيداً فشواه وأكلا، ثم صنع عيسى بعظم الصيد كما صنع بالسمكة، فقام الصيد حياً وانطلق، فقال عيسى لصاحبه: بالذي أراك هذه الآية من الذي أخذ الرغيف؟ قال لا أدري. فتركه وذهب إلى كومة من الأحجار الصغيرة ومسح عليها بيده، فأصبحت ذهباً ففغر الرجل فاه طمعاً، فقسمها نبي الله ثلاثةً أعطاه ثلثاً وأخذ ثلثاً وترك الثلث الثالث على الأرض وقام لينصرفا، فقال الرجل: يا نبي الله لمن تترك هذا؟ قال: للذي أخذ الرغيف، فلم يملك الرجل نفسه، وقال: أنا الذي أخذت الرغيف، فانصرف عنه نبي الله وترك له الذهب كله. انشغل الرجل بجمع الذهب حتى مر به رجلان فأحاطا به وساوماه على مشاركته وإلا قتلاه، فقبل مضطراً أن يقتسموه معاً، لكن أحد الثلاثة طلب أن يأكلوا معاً من طعام معه، وبينما هو يعده اتفق الاثنان على قتله ليستأثرا بالذهب وحدهما، وباهتاه فقتلاه ثم جلسا يأكلان، لكن الخبيث كان دس لهما سماً في الطعام ليستأثر بالذهب وحده، فماتوا جميعاً. مر نبي الله بهم ومعه بعض أصحابه فلما رأوهم سألوه: ما هذا يا نبي الله؟ قال: هذه الدنيا تقتل طلابها.

mustafa@watani.ae

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر