كل جمعة

من أجل نوبل

باسل رفايعة

يستطيع أيّ منا أن يقترح حقولاً جديدة لجائزة نوبل، تُتيح للعرب الفوز فيها سنوياً، مع منافسة معقولة من الأمم الأخرى. فمن الواضح أن الحقول العلمية، تحديداً: الطب والكيمياء والفيزياء والاقتصاد، مناطق مغلقة علينا، منذ ،1901 ولم ينجح في 110 أعوام سوى عربي واحد في تحقيق اختراق، وهو العالم المصري الأصل أحمد زويل، الذي فاز بجائزة الكيمياء عام ،1999 وربما لم يفعل ذلك إلا لأنه مواطن أميركي في نهاية الأمر، يعيش في الولايات المتحدة منذ مطلع سبعينات القرن الماضي، وأكمل دراسته العليا في جامعاتها، وأتاحت له تطوير نبوغه في إطار نظامها التعليمي وآفاقها ومختبراتها وقيمها الراسخة في احترام العلم والعلماء.

لنقترح حقولاً أخرى، غير الحقول العلمية، لنسجل أسماء عربية في قوائم نوبل، وهذا سياق خالص للسخرية، ويصلح أيضاً لجلد الذات، ولنقل إن على الأكاديمية السويدية أن تخصص جائزة في القدرة على المكوث في تاريخ معيّن قروناً طويلة، فلن نجد مشقة في تكرار الفوز بها، عاماً إثر عام، من دون منافسة تُذكر، فنحن مصرّون على أن الماضي يصلح أن يكون حاضراً ومستقبلاً، ولا يصلح غيره، وقد جربناه، قرناً بعد قرن، ولانزال مستمتعين بأمجاده، وذكرياته التي لا تموت.

أترك الخيال لمن يريد اقتراح مزيد من الحقول الممكنة للعرب للفوز بأكثر من نوبل، ولن أخوض في تفاصيل النظام التعليمي وفلسفته ونهجه ومناهجه، لئلا أفسد فرحة الأمهات والآباء الجالسين في مدرجات التخريج، وهم يلوحون لأبنائهم وبناتهم، حينما يعتلون المنصة، ويتسلمون شهادات، لا يكتبون فيها كم ساعة أمضوا في المختبر، أو في المكتبة، وما إنجازاتهم البحثية والمعرفية. فالجامعات في بلاد العرب تعتني بالمباني والأشجار والأرصفة، والمطاعم والمقاهي والصالات الرياضية، ولا أحد يسأل عن موازنات البحث العلمي فيها.

الأمم تنهض بالعلوم لا بالخرافات، وأعني العلوم المجرّدة من أوصاف العرب ورغباتهم. العلوم التي تؤدي إلى فهم الكون وفكّ أسراره، والتقدم بالإنسان نحو آفاق جديدة، وحياة جديدة. العلوم التي تهجس بقلق الإنسان تجاه الزمن والضوء والمادة. أعني علم الفيزياء، وليس علم النحو والصرف والعروض، فتلك أنظمة ميكانيكية داخل اللغة، منجزة تماماً، ولا تحتمل التجريب والافتراض والنظرية، ولا تستحق أن تُسمّى علوماً إلا من باب المجاز. أعني الكيمياء والطب، وما يتصل بهما، وليس العلوم المرتبطة بالكلام، والمشتقة من الكلام، والمزمنة في الكلام، وفي العقول.

لن يعود بنا الزمن إلى مطلع القرن الماضي، عندما حاز الألماني رونتجن أول نوبل للفيزياء عن اكتشافه الأشعة السينية، لكن هل من الصعب أن نؤسس معهداً علمياً عربياً واحداً للنوابغ، وتحريرهم من الذهن الرسمي، والنظام الرسمي، وتشجيع البحوث والابتكارات، ودعمها، بحثاً عن أي موطئ في رحلة الأمم نحو المستقبل؟

نغيب عن جوائز نوبل، لأننا نغيب عن الفعل الحضاري. نغيب عن الفكرة، ونحضر في ظلالها. نغيب عن العقل، وننام في الأسطورة. لا زمان لنا، بقدر ما نعبر في أزمنة الآخر، ولا نعترف به، إلا حين نستهلكه، وأيضاً على مضض.

baselraf@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

 

تويتر