أبواب

دراما لكنها كالثوب المرقّع!

سالم حميد

في شتاء برد قارس في العاصمة الألمانية برلين، جلست في بهو أحد فنادقها استمع إلى مقطوعات موسيقية كلاسيكية جميلة، تُعزف بأنامل فتاة حسناء على آلة البيانو؛ بالقرب مني جلس خمسة أوروبيين من جنسيات مختلفة، منهم الإيطالي والفرنسي والنمساوي والألماني، والخامس لم أعرفه من أي بلد. الغريب أنهم لم يَثبتوا أثناء حديثهم على لغة محددة، بل كانوا يتحولون من لغة أوروبية إلى أخرى كل دقيقتين أو ثلاث، ثم اكتشفت أنهم كانوا يتقصدون إسماعي أنهم قادرون على التحدث بلغات أوروبية عدة، وشعرت بنظراتهم الاستعلائية، لكنني تجاهلتهم، موجهاً أذني نحو مقطوعات البيانو، فاستمروا في استفزازي، فوجهت نظري إليهم وقلت بالإنجليزية: «على فكرة، حديثكم كالثوب المرقع!»، استغربوا ردة فعلي. وسأل أحدهم: «ماذا تقصد؟»، أجبتهم «اللغات الأوروبية المختلفة التي اسمعتموني إياها مجرد تراقيع من هنا وهناك، وعلى مستوى مبتدئ، وليس لدى أي منكم القدرة على التحدث بأي لغة منها باحترافية، باستثناء اللغة الأم لكل واحد منكم». الجماعة لم يتقبلوا كلامي ونفوه، فتحديتهم قائلاً: «لنختر اللغة الإنجليزية؛ هل يوجد بينكم من يرغب في التحدي ويتحدث معي مطولاً في موضوع متخصص؟ سنرى من نفَسه أطول». لم يبادر أحد، فقلت: «هذا أفضل لكم، والآن سأترككم لأكمل سماعي لعزف البيانو، وهذا أفضل لي».

عبارة «الثوب المرقع» تنطبق تماماً على الدراما المحلية، التي غابت هويتها بفعل فاعلين منذ سنوات قليلة، ولايزال الفاعلون مستمرين في تشويه الدراما المحلية، وللأسف هم إماراتيون، لكن أعمالهم الفنية الحديثة لا تجعلنا نشعر بأنها أعمال إماراتية، فالهوية غائبة في ظل إشراك عدد غير مبرر من ممثلين من هنا وهناك، وتُصرف عليهم مبالغ طائلة، ثم يمثلون على أنهم إماراتيون بألسن غير إماراتية! وليت الأمر يتوقف عند هذا الحد، بل يقوم المنتج الإماراتي بفرض اللسان الأعوج على شبابنا من ممثلين وممثلات!

ولا أعرف هنا ما المعيار لإنتاج عمل محلي بحت يعكس هويتي وثقافتي؟ وهل من أجل توزيع العمل لأكبر عدد من مشترين، وتحقيق أكبر قدر من ربح مادي أقوم بمحاربة هويتي وثقافتي؟ للأسف شبابنا لا حول لهم ولا قوة أمام هؤلاء الديناصورات المحنطة غير الراغبة في إتاحة الفرص للشباب.

خبير مسرحي لم يعجبه رأيي هذا، فوقف أمام الجمهور، وبصوت متحشرج في مشهد تراجيدي، لا يتقنه إلا الممثل المحترف، وبأعين دامعة قال: «لقد نسف سالم حميد المسرح بأكمله!»، الله أكبر! من هذا المدعو سالم حميد الذي استطاع أن ينسف المسرح بأكمله؟! هل يعد الدفاع عن الهوية الوطنية نسفاً للمسرح؟ لقد كنتُ في يوم من الأيام أحد تلامذتك، واحتراماً لما علمتني إياه، لن أرّد عليك، أما المنتج الذي اتهمني بالتشكيك في وطنيته، فأقول له «لست أنا من شكك في وطنيتك، شاهد مسلسلاتك!»، وأما ذلك الممثل الخليجي الذي اتهم اللهجة الإماراتية بالصعوبة، وطالب بعدم مزج التراث بالمسرح، فأقول له «يبدو أن الفهم قد اختلط عليك! أرجوك وفّر نصائحك للحركة الدرامية في بلادك».

القوي لا يقول عن نفسه قوياً، فما بالك بمن يرقّع نفسه ثم يدّعي القوة!

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر