يا جماعة الخير

لا تكن من هذه الشريحة ما استطعت

مصطفى عبدالعال

لكل موسى فرعون.. تلك حقيقة لا مفر منها. لن تجد على وجه الأرض قائداً ناجحاً أو مديراً أو رئيساً أو حاكماً بلا خصوم في العلن كفرعون، أو في السر يطعنون في الظهر، من بطانته المقربين، وممن له فضل عليهم، وممن يحقدون عليه - رغم انتفاعهم منه - ويرون أنهم أحق منه بمكانه وأفهم منه لمتطلبات موقعه، بل ومن أهله وأقرب المقربين إليه. تلك سنة الكون في كل أنواع البشر ما نجا منها ولا نبي معصوم، وأكدها الحق في قرآنه فقال {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُل نَبِي عَدُوّاً منَ الْمُجْرِمِينَ} (الفرقان: 31)، فلا عجب أن تجد عند كل مكرمة من كريم من يفسرها ويوظفها لمحاولة إظهار عيب فيه ويزعم أنه يغطيه بمكرمته، ولا يسأل نفسه أصلاً ما الدافع لهذا التشكيك، وإن استخدم مدير صلاحياته لمحاسبة المقصر تجد من يدافع متهماً إياه بالظلم واستغلال السلطة، فإن تسامح وقدم الرحمة وتقدير الظروف خرجوا يتهمونه بالجبن والضعف والعجز عن إدارة المكان، وصاحب الخلق والمبادئ يترفع عن هذه الصغائر ممن يتهمونه ويدسون الشائعات من حوله، بل تراه يشفق عليهم ويتلمس لهم الأعذار! إذاً هي قضية أخلاق وثبات، فصاحب القرار إن كان كذلك لا تؤثر فيه هذه الصغائر، وكذلك الذي يتكلم في ما لا يفهم فيه أو ينتقد لمجرد أن سمع انتقاداً، إن كان قوياً ذا خلق سرعان ما يرجع إلى الحق فور تحققه منه، أما المتمادي في غيه فإنه كما قال الحق عدو من المجرمين، بل ومن شياطين الإنس الذين ذكرهم الله في آية أخرى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُل نِبِي عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِن يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاء رَبكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُون}، (الأنعام: 112). فهل الرسول الذي لا ينطق عن الهوى آمن به كل الناس أم أن بعض أهله كانوا أشد أعدائه؟

من فهم هذه الحقيقة ينبغي أن يقلق إذا هدأ الخصوم وليس العكس، فوجودهم مرتبط بوجوده فإن غابوا فهو الذي غاب تميزه، ورحم الله الشيخ الشعراوي في عبارته الخالدة التي صبر بها أحبابه حين أزعجهم تطاول شياطين الإنس عليه فقال : «لا تحرموني من ميراث الأنبياء، فمن لم ينل مما نال النبيون من الأذى نصيباً ليس له من مدد الله لهم نصيب». وكل العلماء العاملين والقادة الناجحين ابتلوا وحوربوا وشُهر بهم، ولكن الله أحيا آثارهم واندثر الحاقدون ولم يبق منهم إلا سوء ذكرهم.

فإذا أتتك شائعة يتناقلها هذا الصنف من الناس المعترضين على كل وأي شيء، المروجين لكل خبر ولو كان مزحة لها إسقاط مفهوم على هاتفك الشخصي أو من رفاق الصفحات الالكترونية، فنقلتها دون أن تدرك أبعادها ودون الوقوف على مدلولاتها التي ربما كانت واضحة للعقلاء فاعلم أنك دخلت في الشريحة المذكورة دون أن تدرك، وإن كان كما اتفقنا وجودها حتماً لازماً فإن وجودك أنت بينهم ليس حتماً ولا لازماً، وبيدك أن تصون نفسك وألا تكون إمعة (لا شخصية لك)، فلا تكن منهم ما استطعت.

 

المستشار التربوي لبرنامج «وطني»
mustafa@watani.ae

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر