يا جماعة الخير

انتحار الأسوياء!

مصطفى عبدالعال

« الزوج تسلّم جثمانيهما.. وأكد في محضر الشرطة أن: الأم المنتحرة خلـف طفلها لـم تُعــانِ اكتئاباً أو أمراضاً نفسية »، هذا ما قرأناه أمس تعليقاً على كارثة الأم التي سقط طفلها ( خمس سنوات ) من الدور الثامن بعدما تركته وحده إلى جوار طاولة تحت النافذة التي سقط منها إلى الشارع بينما كانت تقف مع شقيقته (15 عاماً) انتظاراً لحافلة المدرسة. أما تأكيد الزوج أن الأم لـم تُعــانِ اكتئاباً أو أمراضاً نفسية فهذا ما ظنه المسكين وقد فقد طفله وزوجته في لحظات، ومع تقديرنا لصدمة الأم في سقوط ولدها ولصدمة الأب في فقدهما، فإنه لا ينبغي أن نمر مرور الكرام بعبارة « لـم تُعانِ اكتئاباً أو أمراضاً نفسية».

بمجرد سقوط الطفل اتجهت المرأة - نسأل الله لها الرحمة - إلى مدخل البرج الذي تدرك أنه سيوصل إلى المصعد الذي استقلته إلى شقتها فتفتحها بمفتاحها الذي لا شك أغلقتها به على الطفل قبل نزولها، ثم تتجه إلى النافذة نفسها، وبجوارها الطاولة التي ربما لم تكن التفتت قبل ذلك إلى وجودها بجوار نافذة مفتوحة أو قابلة للفتح بيد طفل في الخامسة، ثم تقفز من هذه النافذة إلى حتفها المؤكد!

فهل يا ترى فعلت كل هذا انتقاماً من نفسها وعقاباً لأنها السبب في ما حدث للطفل بعدم تأمين سلامته حين تركته؟ وعندئذ فهل يحق لإنسان سويّ أن يفعل ذلك بنفسه أياً كانت ديانته؟

أم تراها فعلت ذلك هروباً من مساءلة القانون والزوج والمجتمع؟

أم يقول قائل: فقدت عقلها وتخبطت في التصرف؟ وهذا مردود عليه بمنطقية الترتيب الذي بدأته كما قلنا من دخول البرج من مدخله وفتح الشقة بمفتاحها وقصد النافذة بعينها. إذاً هو أشد الأمراض النفسية والاكتئاب، هو غياب معرفة الله سبحانه واللجوء إليه عند الشدائد وطلب الصبر والإعانة والتوفيق.

ما معنى أن يمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بامرأة تبكي على صبي لها فيقول لها « اتقي الله واصبري »؟ فتقول: وما تبالي أنت بمصيبتي! فمضى ولم تعرفه، قيل لها هذا النبي، فأتته معتذرة، فقال: « إنما الصبر عند الصدْمة الأولى ».

هنا يتجلى الإيمان ويظهر الصبر والتسليم ومواجهة المصيبة بما يرضي الله لا بما يوسوس الشيطان. أكتب هذا خشية أن يتأسى بهذه المرأة المكلومة بعض ضعاف النفوس، فيسمون ما حدث بغير اسمه ويسجلونه في صفحات الحب والولاء والوفاء وما إلى ذلك! فأين الوفاء لابنة مراهقة في سن الـ15 هي أحوج ما تكون لأمها؟ وما ذنب رجل يشتت نفسه بين البلدان سعياً وراء لقمة عيش؟ ومن مستوى السكن، ووجود الرجل على سفر، واتصال ابنته من هاتفها الخاص الذي هيأه لها للتواصل معه من دون توقعٍ لما حدث، كل هذا يدل على اهتمام الرجل بأسرته، فهل جزاؤه أن يبتلى في ابنه وزوجته، ثم يضطر لإيواء ابنته المراهقة لا محالة مع زوجة أب؟ نسأل الله أن يوفقه لحسن اختيارها ويوفقها لحسن تضميد ذبحاته ولا أقول جرحه.

إذا الإيمان ضاع فلا أمان ولا دنيا لمن لم يحي دينه، ومن رضي الحياة بغير دين فقد رضي الفناء لها قرينا.

المستشار التربوي لبرنامج «وطني»
mustafa@watani.ae 

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

 

تويتر