كل جمعة

أسوأ من التدخل الخارجي

باسل رفايعة

ليس هناك أسوأ من التدخل الخارجي سوى إطلاق النار على التلاميذ، وهم في زيهم المدرسي صباحاً، وسوى اغتيال المعلمين والعلماء والمثقفين، وسوى إهانة شعوب بأكملها، بالسجن والتعذيب وذبح الأطفال وتقطيع أشلائهم، في مشاهد تُؤرخُ في سيرة الجريمة، لمن لم يمسسه عماء بصر وبصيرة.

ليس أسوأ من التدخل الخارجي سوى استباحة شعب بأكمله من عصابة مريضة بالقتل والفساد، تتصرف كعصابة، وتحكم كعصابة، وتفعل كل ما في وسعها، لكي لا تكون هناك دولة، ولا مؤسسات، وتسعى إلى حذف التاريخ، ليبدأ بها، وينتهي بها.

ليس أسوأ من تحليق طائرات أجنبية في سماء عربية، إلا أن تكون تلك السماء نفسها مصدراً لنيران مصبوبة على شعب، يطالب بأدنى حقوقه الإنسانية في الخبز والأمن والحرية، ولا يجد سوى قذائف الدبابات ورصاص القناصة، وكثير من الكلام المزايد على جراحه في استوديوهات التحليل في الفضائيات العربية المفتوحة لأكاذيب أنيقة، تردّ على أكاذيب رثة لإعلام جاهل.

ليس أسوأ من التدخل الخارجي سوى مقاومته بالأوهام والشعارات المجانية التي تُمجّد صمود الشعوب، وتحثها على مزيد من الضحايا، وتشجعها على الاستمرار، وليكن الثمن جثثاً مقطعة، وأشلاء تتناثر في القرى والبلدات، وتحت جنازير الدبابات.

يستطيع أيّ منا أن يرفض التدخل الأجنبي على هواه، فالبيت الذي تقصفه الدبابة، وتعبث العصابات بخبزه وأسراره، ليس بيته، والطفل الذي كان يقف في الطابور الصباحي قبل أن تحرقه نيران القناصة، وينزف فوق الكتب والحقيبة، ويتحشرج النشيد الوطني في قلبه، ليس طفله، وآلاف الموتى المكدسين في ثلاجات المستشفيات ليسوا من أهله وأقربائه، ولا ضير أن يطالبَ الناسَ أن تواصل موتها اليومي، وهو يراها ترفع لافتات تناشد العالم التدخل، لكي تكون حصيلة الموتى في الأخبار اليوم أقل من أمس، ومع ذلك يرى أن ذلك أهون من التدخل الأجنبي.

من يتدخل لوقف الموت المتواصل والسريع، وينقذ البلاد من تكاثر القبور والسجون؟ هل من عبقريّ يقنع القاتل أن يرأف بالضحية فيكتفي بذبحها، دون الحاجة إلى تقطيعها؟ هل من عبقريّ يقترح فهماً آخر للخرافات التي يختبئ خلفها القاتل لتنفيذ جريمته، ويمنحها جماليات وطنية إنسانية على هذه الهيئة التي نراها يومياً؟!

من البديهي، أن الدول العظمى التي تتدخل للقضاء على الطواغيت لا تتحرك وفقاً لدوافع إنسانية، فهي ليست هيئات خيرية، تابعة للأمم المتحدة، وإنما لها مصالحها القريبة والبعيدة في إطار لعبة الأمم، لكنها في أسوأ الأحوال أفضل من أنظمة متوحشة، لا تنظر إلى البلاد إلا بوصفها مزارع خاصة للعائلة والأقرباء، ولا بأس أن يكون للدول العظمى مصالح، فنحن لن نتخلص من عتاة الشر دون ثمن، وليكن هذا الثمن، ما دام لن يدوم طويلاً، وما دمنا ندفع ما هو أشد ألماً منه، من دمائنا، وحياتنا، ومستقبلنا.

وعليه، شكراً لكل طائرة من حلف الناتو، ومن خارجه، دكّت معاقل القذافي، وأسقطت نظامه الكوميدي ــ البدائي، ووضعت حداً لمقابره الجماعية، وشكراً لكل من أسهم في تخليص الشعب الليبي من 40 عاماً من الجهالات والجنازات والجوع، وشكراً لكل دولة عظمى تبحث عن مصير مشابه لكل طاغية.

baselraf@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر