كل جمعة

العدوّ

باسل رفايعة

25 ألف ليبي قُتلوا في شهور قليلة، ولايزال المسبب الرئيس مختبئاً في جُحر مجهول، ينتظر « الجماهير » للزحف على « الجرذان » وتخليصه من عتمة الجحر. وما يحدث في سورية يفوق كل متخيّل، إن لم يكن كل خيال أكثر واقعية مما نشاهده على « يوتيوب » والمواقع والفضائيات المحايدة. وفي اليمن لا حلّ ممكناً، والناس لاتزال تنشد الحرية، وتحمل موتها على الأمل.. وأي أمل.

بعد هزيمة 1967 عرفت الشعوب العربية أعداء غير إسرائيل، عرفت مخاطر الجهل والتخلف العلمي، والقمع السياسي، وغياب الحريات والحقوق الأساسية، وأدركت أن دحر إسرائيل، أو لجم نزعتها التوسعية والعدوانية، يحتاج إلى مستحيلات عدة، لا يمكن قهرها، ويحتاج إلى مقارعة أعداء آخرين، فكانت هذه هي الهزيمة الحقيقية، فالمعركة جزء من الحرب، وهذه الأخيرة لا تُخاض في الميادين العسكرية فقط، وإنما في المدارس والجامعات، وفي ميادين الثقافة والفنون والعلوم، وقبل ذلك في العقل العربي نفسه.

قسوة الربيع العربي في تونس وليبيا ومصر وسورية واليمن، كشفت وجه العدوّ الحقيقي لهذه الشعوب، وأسقطت الأقنعة التي اختبأ خلفها عقوداً طويلة، حتى تغيّرت ملامحه وقسماته، وحتماً سيسقط معه ميراث عميق من الأكاذيب، حتى ترث الأجيال المقبلة مفاهيم جديدة، ومؤسسات جديدة، وعندما يقف الطلبة في الطابور الصباحي في مدرسة عربية، بعد أعوام قليلة، سيتذكرون أن عدواً لهم أطلق النار على زملائهم، وهم في أول النشيد الوطني، قبل تمارين الصباح.

يكشف الربيع العربي الأعداء على نحو أكثر سطوعاً من هزيمة ،1967 العدو الذي كان سبباً في إنهاء حياة أكثر من 25 ألف ليبي، بعضهم ذهب حرقاً في مستودعات، ليس إسرائيل، على وفرة ما لديها من مجرمين نازيين محترفين في حرق الناس وذبح الأطفال. المفارقة أن العقيد معمر القذافي سعى إلى الحصول على أسلحة من إسرائيل لقتل مزيد من الليبيين.

إسرائيل عدوّ شديد الوضوح، ولم يختبئ خلف أي قناع، حتى « السلام » الذي أبرمه مع مصر والأردن، لم يُغير حرفاً واحداً في العقيدة الصهيونية، ولا في الأهداف والسياسات. إسرائيل تعرف أعداءها جيداً، وتعرف أن النظام الذي يُطلق النار على شعبه بالطائرات والدبابات والبوارج لن يكون في يوم من الأيام عدواً لائقاً، يستحق كلفة حرب لإسقاطه. لقد تركته يستمتع بنصب التماثيل، ليحتال على الحجر، وليجد الناس ما يحطمونه.

لقد جرّبت إسرائيل اختبار مدى صدقية الذين يتوعدونها بالمقاومة إلى الأبد، فوجدتهم دائماً لا يريدون سوى البقاء، وتجريب ترددات الصوت العالي المرفوع على شعارات من خشب، كثير الهشاشة.. والسوس.

لم تكن إسرائيل في الربيع العربي، إلا إذا صدقنا خرافة المؤامرة، كان أعداؤنا وحدهم، وقد أظهروا كل ما لديهم من دموية وبشاعة، أطلقوا النار على الجثث، قتلوا التلميذ ومعلمه، ولم يدعوا حنجرة ولا أصابع ولا عيوناً، سفحوا الكلام والإشارة والدمعة.

ثم ظهر العدو العربي على التلفزيون، بكامل أناقته، وقال لشعبه: أقتلكم من أجلكم، ومن أجل ما يتبقى من بلادكم وأبنائكم، فإنْ لم أفعلْ، فلا بلاد لكم بعدي.. ولا حياة.

baselraf@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر