كل جمعة

قناة «العرب»

باسل رفايعة

العام المقبل، سيشاهد العرب ثالث فضائية إخبارية، أعلنت أنها مستقلة، ويعتمد سقف حريتها على الرأي والرأي الآخر، ولديها تمويل مستقر لعشر سنوات كاملة، وهي فترة أكثر من كافية للنجاح، بمؤشراته الثقافية، وليس بأرقام الربح والخسارة، لأن السوق الإعلانية لا تتفاعل مع المحتوى المختلف والمتميز فقط، ولا حتى مع الدراسات التي تُظهر نسب المشاهدة. ثمة عوامل أخرى، أكثرها تأثيراً المصالح والعلاقات، وما بينهما.

قناة «العرب» الثالثة مملوكة بالكامل للأمير الوليد بن طلال، وهي الآن تبحث عن مقر لها، بين دبي، وأبوظبي، وبيروت، والمنامة، والدوحة. لكنّ الأهم أنها منذورة لمنافسة «الجزيرة» القطرية، و«العربية» السعودية. وعلى المشاهد العربي أن يتهيأ إما لشكل ثالث من الخطاب الإعلامي، بمكوناته السياسية والفكرية الواضحة، وإما لاستنساخ إحدى التجربتين: ضجيجٌ صاخب على ما يحدث خارجاً، وصمتٌ مطبقٌ عن الداخل، أو الجوار الصديق.

تُزاحم قناة «العرب» في فضاء عربي شاسع جداً، تحتلّ «الجزيرة» معظمه، وهو احتلال لايزال يستحث قراءات ونقاشات كثيرة، ولايزال يحرك جدلاً وخلافاً مستمرين، يزيدهما باستمرار النجاح الكبير للتجربة الإعلامية القطرية في توظيف هجوم خصومها، لمصلحة توسيع قاعدة أنصارها، لاسيما من الشرائح الاجتماعية المتدينة، والمسيسة دينياً في العالم العربي، ساعدها في ذلك قوة جهاز التحرير وثقافته السياسية والعقائدية الناضجة، وما فعلته «الجزيرة» في تونس وليبيا، وما تفعله الآن في سورية مشروع يتعدّى التغطية الإخبارية، ويتجاوز دور الإعلام نفسه.

«الربيع العربي» لايزال بخضرته وأزهاره، ومن المرجح أن ينطلق بث قناة «العرب» الجديدة، وهو مستمر، وهنا ثمة طريق آخر، غير التحريض، بألوانه الكثيرة. فالحديث عن أزمات وخلافات عربية بسبب التغطية الإخبارية، أو بسبب فتح ملفات حساسة لم يعد مقياساً وحيداً للسقف العالي والجرأة المهنية المفتعلة، لأن الجمهور يقفز إلى أسئلته واستنتاجاته سريعاً: لماذا تركز «الجزيرة» أو «العربية» على الشؤون الداخلية في هذا البلد العربي، وتصمتان تماماً عما يماثلها من شؤون في دول عربية أخرى؟!

هذا هو السؤال المحرج، ولاتزال إجابته معلقة في سقف منخفض يجعل الصدقية امتحاناً عسيراً على «الجزيرة» و«العربية». ولم تنجح أي منهما في تجاوزه، فلدى المشاهد العربي في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين عيون مفتوحة جيداً لا يُمكن ذرّ الرماد فيها.

قناة «العرب» لا تستطيع الهروب من صعوبة هذا السؤال، ومواجهته بشجاعة ومسؤولية مهنية ستكون لها مفاعيلها وتأثيراتها المباشرة في انتشار القناة ونجاحها، أو سقوطها الذريع في فخاخ التسويات والتنازلات الفكرية والتوازنات السياسية. وهي إن أخفقت في مواجهة ذلك، فلن تنجح في تجاوز صعوبات أخرى، لا تقلّ ضراوة، أولها التصدي للخطاب الديني المتشدد الذي لايزال حاضراً في الشارع العربي، ووجد له صوتاً في ربيعه، وثانيها نقد نظام التعليم، وما يتصل به من ذهنيات وتشريعات، وثالثها دفع قضايا الديمقراطية والحقوق المدنية للعرب إلى مقدمة النشاط الإعلامي، من دون خوف من حسابات تأسست على أخطاء فادحة.

على قناة «العرب» أن تستحثّ المطر بوسائل علمية بحتة، وألا تطلق تحت غيومه بخوراً وتمائم، ليس وراءها سوى الجدب.. والعطش.

baselraf@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر