أبواب

هموم جميلة

قيس الزبيدي

بعد سنوات طويلة قضاها الفنان المونتير والمخرج مروان عكاوي في اليونان، يعود أخيراً إلى بلده سورية، لينجز أول عمل له، نشر كتابه « همومي الجميلة: نظرة أخرى على المونتاج »، الذي صدر الآن في سلسلة الفن السابع « 200 » في دمشق.

في حوار سبق أن أجراه الزميل ماهر منصور مع عكاوي، عن مسيرته الفنية منذ بداية الستينات، باعتباره أول من عمل في المونتاج في سورية، بمبادرة من المنتج الأسطورة تحسين قوادري، يعقّب عكاوي على هذه المبادرة « قلت لنفسي لماذا لا يدخل إلى هذا القطاع الخاص السيئ عناصر جيدة تنقذه من الداخل، فمحاربته من الخارج ستزيده سوءاً؟ »، وهكذا ينتج بمرور الزمن فيلم « 1+1 » لدريد ونهاد، وفيلم « الثعلب »، وهي باعترافه « كانت أفلاماً تجارية بحتة، اقتصر دورنا فيها على التنفيذ ».

مهم أن نذكر أن عكاوي تحول إلى مخرج في القطاع الخاص التجاري في سورية، وأخرج منذ عام 1973 مجموعة من أفلام، كان آخرها « امبراطورية غوار ».

نعرف أن ليس في مكتبتنا العربية كتب مؤلفة عن المونتاج، من هنا نجد أهمية أن يقوم مونتير سينمائي مخضرم بنشر كتاب -  ربما هو الأول  - حول: القوة الخالقة لكيان الفيلم، كما سبق أن عرف بودوفكين المونتاج.

حسناً، لم يأخذ المؤلف في نظرته إلى المونتاج على عاتقه، لا التعريف بتاريخ المونتاج، ولا بنظريته الجمالية الإشكالية، التي بدأت مع عبقرية إيزنشتين، ومرت بأندريه بازان، ولم تنته عند الفيلسوف جيل دولوز، ولا بالإشارة التحليلية إلى طرق المونتاج الفنية، إنما نجده يختصر بعضها بالرجوع إلى كتاب كارل رايز « المونتاج السينمائي ».

يكتب عكاوي « أحاول في كتابي أن أوجز تجربتي وخبرتي المكتسبة على مدى ما يقارب من 50 عاماً »، لكننا لا نجده يفعل ذلك، رغم أهمية ممارسته الفنية في المونتاج، خصوصاً في مونتاج فيلمي نبيل المالح: الفهد « لحيدر حيدر »، وبقايا صور « لحنا مينه ».

« من الفكرة لدار العرض، القطع والوصل، لماذا نقطع، أنواع وقواعد التوليف، وأجهزة المونتاج وأنواعها »، موضوعات يتناولها المؤلف بلغة سهلة ومختصرة في 80 صفحة، أما بقية الموضوعات فيخصصها للمونتاج الإلكتروني- الرقمي، في نحو 20 صفحة، ينهي صفحاتها الأخيرة بأطرف ما في الكتاب « السينما الرقمية اليوم وغداً ».

قادت السينما الرقمية، حتى الآن، إلى إزالة الفوارق بين مهن ثلاث: المونتاج والصوت والمؤثرات البصرية، تذكروا فيلم أفاتار، صوّر 40٪ من المشاهد الحقيقية و60٪ من المشاهد المنجزة بأحدث جيل تكنولوجيا المؤثرات الخاصة.

لنتوقف عند هذا الاندماج بين المهن السينمائية ومستقبل اكتماله، فربما سنجد السينما تتنكر لطبيعة العرض، أي هدف التصوير، فتاريخ السينما الحقيقي بدأ مع نجاح اختراع آلة العرض: صالة سينما مظلمة، يرتادها ملايين المتفرجين، يخاطبهم الفيلم جميعاً، ويخاطب كل فرد فيهم في الوقت نفسه، بينما نرى الآن الفيلم الديجتال يخاطب فرداً بعينه، وهو غالباً فرد يجلس منعزلاً في صالون بيته المضاء، ألا يعني ذلك أن قواعد المشاهدة الفيلمية بدأت تتغير؟

وماذا سيحصل، إذا ما أصبح بإمكان كل إنسان- رقمي أن ينتج فيلماً بمفرده، ويكون هدفه، أن يراه إنسان- رقمي آخر مثله؟ ألا يعني ذلك بداية انقراض السينما بالكامل؟

alzubaidi0@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر