5 دقائق

نفط بشري

ميره القاسم

انتهى الصيف، وانتهت البرامج والدورات الصيفية التي نظمتها مؤسسات ومراكز عدة في مختلف إمارات الدولة، وعلى الرغم من أنها كلها برامج هادفة ومفيدة للناشئة، إلا أن ما لفت انتباهي من بين هذه البرامج، البرنامج الصيفي لمركز جامع الشيخ زايد الكبير بأبوظبي، الذي تضمن دورات صيفية عدة، بعضها ينظم للمرة الأولى، كدورة «الأذان»، إضافة إلى دورات أخرى، مثل دورة «تحفيظ القرآن»، ودورة «التصوير الفوتوغرافي»، ودورة «المطالعة»، وقد نظّم المركز هذه الدورات تحت شعار «الدورات الصيفية منارات الإبداع.. العلم كالنور يضيء المستقبل وحياة الإنسان». مركز جامع الشيخ زايد الكبير في أبوظبي ببرنامجه الصيفي هذا، وأنشطته وفعالياته الثقافية المتنوعة التي ينظمها على مدار العام، يستعيد الدور الثقافي والحضاري والاجتماعي للمسجد، ولا أظن أن أحداً يجهل الدور التاريخي والحضاري النوعي الذي قام به المسجد في الحضارة الإسلامية طوال عصورها الزاهرة، قبل أن يتحول إلى مكان للعبادة فقط، من دون أن يعني ذلك إغفال أهمية دوره في العبادة والتثقيف الديني، بل من منطلق أن المسجد أو الجامع كان في الماضي أمركز إشعاع ثقافي وحضاري وعلمي وفكري.

وأكثر ما لفت نظري في البرنامج الصيفي للمركز أنه توجه إلى الناشئة من سن سبع سنوات حتى 18 سنة، وهؤلاء هم الفئة التي ستناط بها في المستقبل مسؤوليات بناء الوطن والارتقاء به، ولأن تثقيف الناشئة والشباب وصقل الشخصية لديهم، وتنمية الجوانب الدينية والأخلاقية والعلمية والثقافية، تصب مباشرة في مفهوم الانتماء الوطني والفاعلية المجتمعية، خصوصاً أن هذه الأنشطة التثقيفية والتعليمية تتبنى محاور دينية تعبر عن مفاهيم التسامح والمحبة والبذل والعطاء، وآداب الحوار، وإدارة الوقت، وأهمية العمل في حياة المسلم، والإخلاص وتعزيز مبادئ العمل التطوعي، وتطوير الصفات القيادية في الإسلام، واتباع هدي الرسول عليه الصلاة والسلام في حل المشكلات، والحرص على التعلم والنجاح، وكلها سمات يستلزمها النجاح العصري في شتى المجالات. ومن المؤكد أن المركز يهدف إلى اكتشاف مواهب الناشئة المختلفة من خلال مشاركتهم في هذه الدورات التي ستسهم بلا شك في إثراء مداركهم، وتشجيعهم على التميز في مجالات عدة، وكل ذلك بالتأكيد يصب في مصلحة الوطن، فالبحث عن الأفراد المؤهلين أو الذين يمتلكون سمات قيادية، والتنقيب عن الطلاب الموهوبين والمتميزين والطموحين، لا يقل أهمية عن التنقيب عن النفط، بل إن هذا «النفط البشري» أفضل وأغلى وأعلى قيمة وجدوى وأكثر ديمومة ومنفعة من النفط العادي، فالإنسان هو الثروة الأهم التي لا تضاهيها ثروة، بل من دون وعيه وقيادته الناجحة لا تعني الثروات الأخرى شيئاً. إن ما يقدمه مركز جامع الشيخ زايد الكبير من أنشطة وفعاليات منذ تأسيسه يؤكد أنه يسير في طريقه الصحيح، ليكون نواة لحركة ثقافية وفكرية تتمحور حول جامع الشيخ زايد الكبير، انطلاقاً من القيمة الثقافية والوطنية التي تعبر عن المفاهيم والقيم التي رسخها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، تلك القيم المتجذّرة في الوجدان والوعي، التي تشكل امتداداً للهوية الوطنية المستلهمة من تعاليم ديننا الحنيف.

wahag2002@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتبة يرجى النقر على اسمها .

تويتر