كل جمعة

إرهاب رسميّ

باسل رفايعة

عشية الذكرى العاشرة لاعتداءات 11 سبتمبر ،2001 تعيش أجزاء من العالم العربي إرهاباً لا يقلّ وحشية عن « غزوة الطائرات »، مع كثرة الفوارق بين القتلة، وبين الضحايا من الأميركيين والعرب. هنا لا تهزّ ضمير مجلس الأمن الدولي صورة رجل أمن يُطلق النار على جثة إنسان، وهنا يكتفي العالم بالأسف لأجساد متفحمة، وعيون دامية في محاجرها، وحناجر منزوعة من الأعناق، كأن العالم لا يأبه أبداً للصورة والكلام.

ضحايا الإرهاب العربي أكثر من الإحصاء، والأرقام تتزايد يومياً، فيما العالم يبحث هذه المرة عن توصيف لائق: هل هي جرائم ضد الإنسانية؟ أم تكاد تكون كذلك؟ وهل يجب إعطاء القتلة فرصة من الوقت، وحثهم على التوقف قليلاً عن الجريمة، والدخول في حوار مع الناس؟ هل تحتاج المرأة العربية التي رفعت لافتة كتبت عليها « أريد أولادي » إلى حوار مباشر مع القاتل؟ هل سينفعل أكثر من اللازم، ويرسلها إلى حيث تلتحق بأولادها؟!

يُحيي الأميركيون الأحد المقبل ذكرى 2973 ضحية، ويشاهدون معرضاً يوثق الجريمة، مثل ساعة يد متوقفة، وهواتف، وأجزاء من الطائرات. سيتذكرون الضحايا، وهم أقل غضباً، فهذا أول مرور للذكرى، من دون أن يكون أسامة بن لادن على قيد الحياة.

هم يعرفون أن الكارثة تهون حين يكون هناك ما أشدّ منها وقعاً ومرارة. يكفي أن يشاهد الأميركيون صوراً لا يصدقها عقل من الإرهاب الذي تعيشه بلاد عربية يومياً، والإرهابيون هذه المرة لم يتدربوا في كهوف تورا بورا، بل هم رؤساء دول يقصفون شعوبهم بالطائرات والدبابات، ويحرقون الأجساد، ويتعمدون قتل مزيد من الأطفال لزرع الرعب في قلوب الآباء والأمهات.

إرهابيون بصفة رسمية، يرتدون ثياب الزعماء، ويظهرون هم وأبناؤهم وأقاربهم، من العصابات الحاكمة على القنوات الإخبارية الأميركية، ويكذبون، كما لو أن العالم يعيش مرحلة ما قبل الإنترنت، وكما لو أن لا إعلام يبث شيئاً من فظائعهم. فالحقيقة، بكل وضوحها، منذورة لإعلامهم البدائي الذي يواصل بثّ طرائفه السوداء.

نريد أن يعرف الشعب الأميركي أن الشعوب العربية تعيش منذ اندلاع حريق محمد بوعزيزي أنواعاً من الإرهاب، ربما لم يألفها البشر، وبعضها يقترب من الخيال، إرهاب موثق بالصوت والصورة. نريد أن تهون على الأميركيين مصيبتهم حين يعرفون بعض التفاصيل الدقيقة عن مصائبنا.

نريدهم أن يعرفوا أن الإرهاب في 11 سبتمبر لم يكن سوى عملية متوحشة، خطّط لها ونفذها مجرمون محددون، في زمان ومكان محددين، وأن ما يحدث في بعض بلادنا العربية الآن إرهاب مستمر ومنتظم منذ أكثر من ثمانية أشهر، إرهاب دُول لديها بعثات دبلوماسية وسفارات منتشرة في الكون. نريدهم أن يعرفوا أن من يقتلون المئات من العرب يومياً ليسوا من تنظيمات أصولية، وإنما كتائب إرهابية، وعصابات رسمية على هيئة حكومات، طالما ادعت أنها ضد « القاعدة » وطبعاتها المتعددة، ومارست وتمارس صوراً من البشاعة ضد الإنسان، وفي أي مقارنة تبدو الجماعات المتشددة أقلّ فظاعة.

وآخر ما نريده من الولايات المتحدة أن تلاحق كل إرهابي في هذا العالم، قبل أن ينجح في صناعة نسخ متطورة جداً من أسامة بن لادن.

 baselraf@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر