أبواب

حول قواعد الكتابة للسينما

قيس الزبيدي

في مقالة الزميل الناقد زياد عبد الله حول « قواعد كتابة السيناريو »، لفتت انتباهي عبارة عن سيد فيلد ملخصها، أنه في حواره مع الشباب، الذين يؤمنون بقواعد كتابة السيناريو، التي سنها فيلد وحدد نواميسها، يجد أنها، وهي كذلك، قواعد غير مقدسة، بل مقترحات، يطلب تجاوزها والقفز عليها، إذا ما أردنا الوصول إلى جماليات آخرين، كما أنه يشير في مقالته إلى أهمية السيناريو الجيد، باعتباره يشكل نصف المسافة، التي توصل إلى فيلم الجيد. هنا بالضبط يكمن بيت القصيد.

تبقى المسألة كيف نصل إلى السيناريو الجيد؟ اكتشفت وأنا أكاد انتهي من مراجعة كتابه فيلد الأخير « الذهاب إلى السينما: رحلة شخصية في السينما: خلال أربعة عقود » أنه كان، كخبير سيناريو وكاتب، يقرأ آلاف السيناريوهات ويشاهد مئات الأفلام ويحللها، وأنه كان يعجب ببعضها ويكره بعضها الآخر، وأنه كان يعود ويتساءل، مرة تلو المرة، عن دواعي إعجابه أو كرهه لهذا الفيلم أو ذاك، ليعيد النظر، في حالات كثيرة، في دوافع إعجابه أو كرهه؟

« كنت أقرأ الأكداس التي لا تنته من السيناريوهات وأتساءل فيما لو كانت أفكاري حول بنية السيناريو صالحة أم كانت لا تُصلح إلا على أفلام قليلة فقط ». كان يسعى في إيجاد « نموذج » ـ للسيناريو ـ يجسد أسس بنيته الضمنية، وأعتقد، لو تسنى له إيجاده فانه سيساعده على الفهم وأنه سيستطيع، حينئذ، أن ينظم ويبني سيناريوهات خاصة به. « لأكون أول شخص يحقق لنفسه مثل هذه الفائدة المرجوّة ».

يبين الباحث الألماني بيتر رابين ألت في كتابه« درامية الفيلم » أهمية « الحكاية ـ سيد يستعمل مصطلح « القصة » ـ وأصول سردها في السينما، انطلاقاً من الأهمية التي حددها أرسطو في « فن الشعر »، لأن الحكاية هي غاية السرد الدرامي حتى يومنا هذا.

ولنذكر، بهذا الخصوص، أن بريشت في مخالفته لأرسطو أعلن وسعى لتبقى الحكاية، كما عند أرسطو، قلب الدراما. واليوم يرجع في هوليوود نحو 90٪ من مؤلفي كتب السيناريو التعليمية، إلى قواعد أرسطو.

ميزة فيلد، في بحثه الطويل عن أصول السيناريو، أنه لم يكن يعرف أرسطو، فهو أنطلق من تجربته الشخصية وسعى في محاولة مُضنية في الوصول إلى مخطط نظري حول كيفية كتابة السيناريو، كما أنه، كان يعيد النظر، باستمرار، فيما يخطط: يذهب من الفيلم إلى السيناريو ويحلل السيناريو ليعيد مشاهدة الفيلم بعيون جديدة: وعندما تسنى له أن يضع « نموذجه » الإجرائي ويسميه، اكتشف، أن ما اكتشفه موجود منذ زمن أرسطو. حسناً: نيوتن أيضاً، حينما اكتشف قانون الجاذبية، اكتشف أنه موجود من قبل. تبقى السمة الشخصية، التي يضفيها فيلد على ترويج اكتشافه، هو الذي يصنع قيمته العالمية: شكل الفيلم يتبع دائما البنية، والبنية لا تتبع الشكل، إنها نقطة الانطلاق، وليست نقطة النهاية. يبقى المهم كيف نجد حكاية وكيف نحكيها؟

ينطلق فيلد من سؤال لرينوار: ما هي السينما؟ المستقبل هو السينما. يتغير الزمن ويتغير جواب السؤال. ويبدو فيلد في فهمه التحليلي، متجاوزاً أية حواجز، تعرقل تطور الإبداع في شكل القصة أو في طريقة سردها. وربما هذا ما يدفعنا، نحن جمهور فن السينما، إلى الذهاب إلى السينما؟

alzubaidi0@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر