أبواب

أزمة غير لازمة (1)

محمد المرزوقي

التعريف المتداول في معاجم اللغة العربية لمفردة الجهل هو « انعدام المعرفة » أو « نقصٌ في المعرفة ». وهو تعريف كلاسيكي لا يتورّط في ترديده ـ في عصرنا هذا ـ سوى شخص جاهل أو شبه جاهل. فانعدام/نقص المعرفة من ناحية عبارة مطّاطية تعني كلّ شيء ولا تعني شيئًا في آن واحد، ولأنّ المعرفة من ناحيةٍ أخرى لا علاقة لها بالجهل إطلاقًا!

فالجاهل لا يحمل فوق كتفيه رأسًا فارغًا لا يضم في داخله سوى الهواء، كما قد يتبادر إلى ذهن من يقرأ التعريف السّابق لمفردة الجهل، بل قد يكون رأسه مملوءاً بأشكال مختلفة ومتنوعة من معارف تنوء بحملها العصبة أولو القوة، ولكنها معارف خاطئة!

فأزمة الجهل لا علاقة لها بمقدار/منسوب المعرفة لدى الشخص، وإنما بنوع تلك المعرفة.

فالتعريف العصري للجاهل هو الشخص الذي يحمل كماً من المعارف والمعلومات المغلوطة، القديمة، أو الخرافية، بحسب معايير العصر الحديث! هذا هو التعريف الوحيد الذي يستطيع المرء أن يتقبله لتفسير أزمة الجهل بأسرها.

وهذا هو بالضبط ما نعانيه في المجتمعات العربية المثقلة بأرتال من المعارف الخاطئة، والأوهام، والخرافات الموروثة من أكثر عصور التاريخ الموغلة في العتمة!

ويكفي أن نقول على سبيل المثال إن غالبية كبيرة لاتزال، حتى اليوم تعتنق الفكرة « القروسطية » عن عالم الجن والأرواح الشريرة والمس، وتوظف هذه الفكرة ـ عن قصدٍ أو دون قصد ـ للتلاعب بالأجساد المنهكة من الأمراض النفسية كالكآبة والإحباط، والأمراض العضوية.. وما بينها!

ومن هنا، انتشر المشعوذون في كل أنحاء العالم العربي، وأصبح عدد الرقاة الذين يعالجون الناس بالرقية، أكثر من عدد الأطباء الحقيقيين الذين يعالجون الناس بأدوية حقيقية.

يمكن ـ على كل حالٍ ـ قبول قصص العفاريت كنوعٍ من الفلكلور الشعبي، والتراث الميثولوجي المرتبط بشعوب هذه المنطقة، تمامًا كقصص الجدّات عن « أم السعف والليف »، و« أم الدويس »، و« حمارة القايلة »، أما أن يتم إحياؤها والترويج لها عن طريق الدّين، فإن ذلك سيؤدي في النهاية إلى تجهيل المجتمع، وحجب عقول أفراده خلف ستائر كثيفة من أدخنة المباخر والأحاجي والتمائم!

وسينشأ مجتمع فانتازي يحمّل العفاريت مسؤولية أي إخفاق أو مشكلة يتعرض لهما، فالإنسان لا يرغب غالبًا في تحمل مسؤولية فشله، ويريحه التهرب من هذه المسؤولية تحت ستار « العين »، « الحسد »، « الجن ».. إلخ، فيرمي سبب هذا الفشل على قوى يعجز عن التحكم فيها، ومنها مثلاً مرور قطّة سوداء أمام باب منزله، قطة مسكينة تعمل بجدّ لإطعام أولادها، أكثر ممّا يعمل الشخص الفاشل الذي يعزو فشله إلى « جني تشكل على صورة قطة سوداء »!

 al-marzooqi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر