يا جماعة الخير

لا تكن ( ثعلباً ).. لو سمحت

مصطفى عبدالعال

هي قصة ذكرها ابن كثير في تفسيره، واختلف البعض على اسم صاحبها « ثعلبة » أو غيره، ونحن في مجال السلوكيات لا تعنينا الأسماء إنما تعنينا المواقف، والموقف حدث لأن القرآن سرد موضوعه، والقرآن يعامل ويعالج طبيعة النفس البشرية التي هي أنا وأنت، وإن ما حدث في القصة يحدث لكثير منا بعد رمضان، حين نتراجع عما كان فيه من عهد عملي مع الله بالعبادة من صلاة وقيام وقراءة قرآن وصدقات، كل هذا كان لبركة رمضان ولدوافعه الروحية نعم، لكن كان لمن؟ لله أم للعادات والعرف والتقاليد؟ وهل وجدته سبحانه جديراً بأن تستمر على طاعته أم ترى غير ذلك؟ وقد سألناه في قنوتنا المال - وقد تكون قلّته أنفع لنا - وسألناه الصحة وهداية الأولاد والعتق من النار.. وغيره.

الرجل في قصتنا سأل النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء أن يرزقه الله مالاً، فأجابه: قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه، فألح الرجل حتى قال: والذي بعثك بالحق لئن دعوت الله فرزقني مالاً لأعطين كل ذي حق حقه، فدعا له فاتخذ غنماً، فنمت بكثرة متوالية حتى ضاقت عليه المدينة، فتنحى عنها إلى وادٍ خارجها، فأصبح يصلي الظهر والعصر في جماعة ويترك ما سواهما، ثم نمت وكثرت فتنحى حتى ترك الصلوات إلا الجمعة، وهي تنمو حتى ترك الجمعة والصحبة.

أنزل الله { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهرُهُمْ وَتُزَكيهِم بِهَا وَصَل عَلَيْهِمْ إِن صَلاَتَكَ سَكَنٌ لهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } التوبة «103»، فبعث صلى الله عليه وسلم رجلين لجمع الصدقة، قائلاً لهما: مرا بثعلبة، وبفلان - رجل من بني سليم - فخذا صدقاتهما. فأتيا ثعلبة فأقرآه كتاب الرسول وسألاه الصدقة، فإذا به وقد أظلم قلبه يقول: ما هذه إلا جزية (إتاوة)، اذهبا ثم عودا إلي، وسمع بهما السليمي فنظر في خيار أسنان إبله فعزلها واستقبلهما بها، فلما رأياها قالا: ما يجب عليك هذا، قال: بلى وخذاها فإن نفسي بذلك طيبة، فأخذاها ورجعا، فمرا بالرجل فردهما خائبين، فانطلقا حتى أتيا النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رآهما قال: يا ويح فلان قبل أن يكلمهما، ودعا للسليمي بالبركة، وكان الله قد أنزل عليه { وَمِنْهُم منْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصدقَن وَلَنَكُونَن مِنَ الصالِحِينَ، فَلَما آتَاهُم من فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلواْ وهُم معْرِضُونَ، فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ } التوبة «75 - 77»، وسمع أقارب ثعلبة فهرعوا إليه، فجاء بصدقته، فلم يقبل منه صلى الله عليه وسلم، وعاش الرجل إلى خلافة عثمان ولم يقبل أحد من الخلفاء الأربعة منه زكاة، لقول الله سبحانه { فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ }. مرة أخرى لسنا بصدد القصة، إنما بصدد الآيات ومَثَلِ الذي عاهد وغدر، والآخر الذي أقبل وشكر، فأيهما أنت؟ وهل نفي مع الله بما عاهدناه عليه في قنوت كل ليلة من توبة وإقبال، حتى نكون أهلاً لاستحقاق ما طلبناه منه من عفو وأفضال؟

المستشار التربوي لبرنامج « وطني »

mustafa@watani.ae

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.

تويتر