أبواب

الفن والحلم والفعل

قيس الزبيدي

يسعى مشروع «سلسلة الفائزين» إلى طباعة أفضل كتاب لكل فائز بجائزة سلطان بن علي العويس الثقافية، خصوصا أن عددا كبيرا من المفكرين والمبدعين العرب فاز بالجائزة، ما يعني أننا أمام حصيلة من الكتب المهمة، التي يمكن أن تغني مكتبتنا العربية. وطبعة كتاب جبرا إبراهيم جبرا الأولى ،2006 هي السادسة في هذه السلسلة، وتتضمن في الواقع كتابات وأحاديث جمعها جبرا بنفسه في كتاب نشره في عام .1985

في حوار أجراه معه ماجد السامرائي، يسأله إن كان يذهب في كتاباته من الحلم إلى الواقع أم يسير بالواقع إلى مدارج الحلم؟ يجيبه جبرا: لو راجعت بحثا لي عنوانه «الفن والحلم والفعل»، لوجدت تفاصيل كثيرة عن هذا السؤال. خلاصته: إن الحلم والواقع متبادلان يغذي الواحد منهما الآخر، عن طريق الفن(... )، غير أن هناك دائما إرادة إسقاط الحلم على الواقع.

كتب جبرا دراسته باللغة الانجليزية لجمهور غير عربي، عن موضوع عربي في بيركلي في عام ،1985 وأراد إدراج ترجمة لها في كتابه، لكنه اكتشف أن النسخ ضاعت بين بغداد وبيروت، عندئذ اضطر إلى ترجمتها ووضعها في كتابه، ربما كمقدمة، لتلقي بالضوء على حلمه، الذي كانت الأسطورة قوته وهو يجد في طبيعة هذه القوة اتصاله الشديد بالفعل.

تميل الآن أساطيرنا إلى خذلاننا، فأنماطها القديمة العُليا ما عادت ملائمة لزمننا، لأن العلم والتنظيم الالكتروني والسياسة تتضافر معا في زعزعة النسق الأسطوري القديم، ويتسم عصرنا، يوميا، بالصراع والعنف إلى درجة تتحطم فيه الأنساق الاجتماعية وتتحطم معاييرنا الداخلية، كما تتحطم أنواع الحلم فينا، وأنواع الفعل لدينا.

إن قدرة الشعراء على خلق التذمر وتحريك الآخرين باتجاه الفعل، في أوقات معينة، كانت تربك السياسيين وتقلقهم ويبدو لهم أن الشعراء يكوّنون تهديداً دائما لرجال السلطة الذين يلجأون إلى الأساليب «المكيافيلية» فيمالئون الشعراء، بعضا من الوقت، ويسترضونهم، لكن إذا ما أصروا على عصيانهم، فعندها يضربونهم دون هوادة.

كثير من الشعراء آثروا التهلكة على التخلي عن طرقهم وقناعاتهم، ليس فقط لمجرد أن الحكام كانوا طغاة فحسب، بل لأن الشعراء كانوا فخورين بقواهم «الأسطورية»، وإذا ما كان الشاعر يوما لسان حال أمته فهو اليوم قاضيها، انه يسأل ويطالب ويُدين، وإذا ما هز الحكام السيف فوق رأسه، فإنه يصر على الدفاع عن معتقداته مهما كان الثمن، أما إذا خذله المجتمع في حلمه، الذي هو حلم ناسه، فإنه كحالم، متأمل في أعماقه، يتبادل المكان مع المتمرد المنخرط في الفعل، وعندها يتوحد صوت الحالم بصوت المتمرد.

في قصيدة النهر والموت يصوّت السياب: أجراس موتي في عروقي ترعش الرنين/فيدلهم في دمي حنين/ إلى رصاص يشق ثلجها الزؤام/ أعماق صدري كالجحيم يشعل العظام/ أود لو غرقت في دمي إلى الفرار/ لأحمل العبء مع البشر وأبعث الحياة، ان موتي انتصار.

ألم يتوحد صوت الحالم بصوت المتمرد عند كل هؤلاء الشباب في الوطن العربي،ليجدوا في لحظة واحدة أن حياتهم لم تعد تُطاق، وأنهم أصبحوا على استعداد للتضحية بحياتهم، لأنهم يريدون استرداد حلمهم المسروق، والسير به إلى مدارج الواقع؟

alzubaidi0@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر