يا جماعة الخير

وصايا رمضان قبل الرحيل

مصطفى عبدالعال

مع قافلة الدعوة الرمضانية من برنامج وطني، زرنا المؤسسات العقابية بسجونها الأربعة ( الجنايات والمؤقت والأحداث والنساء ) في محاضرات للنزلاء والنزيلات، ومن عجب أن نسبة عالية منهم أناس محترمون ( أولاد ناس كما يقال ) يقضون أخصب سنوات العمر، وأهم سببين: لحظة غضب غاب فيها العقل فطاشت اليد فأصبح قاتلا أو شارعا في قتل، وهيئته وسَمْتُه أبعد ما يكونان عن ذلك. والسبب الثاني: لحظةُ طمعٍ كتب فيها ( شيكا ) فوق إمكاناته، وعجز عن الوفاء.

وبندم فات وقته يتمنون جميعا أن لو عاد الزمان لاستدركوا ما كان، وبالأمس صلى المسلمون الجمعة الأخيرة من رمضان، حيث ينبغي أن تكون حصيلة الصوم في أواخر أيامه، ولما كان من مزايا توحيد خطبة الجمعة أن الجميع على مستوى الدولة يعيشون موضوعا واحدا لو فعله المصلون لكان خلقا يسري بين الجميع في مناخ موحد كأنه الرأي العام، فلو أن جميع المصلين بالدولة الذين سمعوا بالأمس « أَن رَجُلاً جَاءَ إِلَى النبِي فَقَالَ: يَارَسُولَ اللهِ أَي الناسِ أَحَب إِلَى اللهِ؟ وَأَي الأَعْمَالِ أَحَب إِلَى اللهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ: أَحَب الناسِ إِلَى اللهِ تَعَالَى أَنْفَعُهُمْ لِلناسِ، وَأَحَب الأَعْمَالِ إِلَى اللهِ تَعَالَى سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكَشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا، وَلأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخِي فِي حَاجَةٍ أَحَب إِلَي مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ ـ يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَة ـ شَهْرًا وَمَنَ كَف غَضَبَهُ سَتَرَ اللهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ ( أي ينفث غضبه بالإيذاء والإنتقام ) مَلأَ اللهُ قَلْبَهُ أَمْنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِي حَاجَةٍ حَتى يَتَهَيأَ لَهُ أَثْبَتَ اللهُ قَدَمَهُ يَوْمَ تَزُولُ الأَقْدَامِ ». واستَوْعَبُوا هذا الحديث لجعله الصائمون جدول أعمالهم ووصايا رمضان قبل الرحيل.

فلتفعيل صومك تفنن في أن تدخل السرور على كل من تلقى بادئا بأهلك ماراً بجيرانك مُركزاً مع زملاء العمل الذين تقضي بينهم معظم عمرك، ثم مع كل من تلقاه ولو مرة كعابر سبيل، فيصبح إدخال السرور عندك خلقا وطبيعة، هاشا باشا لينا عطوفا يأنس الكل بك ولك، فإن حققت هذا الخلق فاسجد لله شكرا على أثر قبول الصيام.

حاول صادقا أن تساعد في كشف كربة علمتها عند قريب أو زميل أو جار، بسعيٍ عمليٍ لا بمصمصة شفاه، فأنت تعلم ما تقدر أن تفعل، فلا تتوان عن فعله ولو بشق تمرة أو بكلمة طيبة أو بوساطة في الخير تُشهد بها ربَك أنك جاد في أَن ( تَكَشِف عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا، أَوْ تَطْرُد عَنْهُ جُوعًا، مقتنعا وراغبا بأنك لأَنْ تمْشِيَ مَعَ أَخِيك فِي حَاجَةٍ أَحَب إِلَيّكَ مِنْ أَنْ تعْتَكِفَ فِي الْمَسْجِد النبوي شَهْرًا ).

وعند الغضب ضع هذا البند من وصايا رمضان: « وَمَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ مَلأَ اللهُ قَلْبَهُ أَمْنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، بل والله في الدنيا أمنا وسعادة ولذة انتصار على النفس، تُرى لو فعلنا وصايا رمضان أما حققنا السعادة والعفة والقناعة وراحة البال والأمن والأمان؟.. إذن فلنبدأ!

المستشار التربوي لبرنامج « وطني »

mustafa@watani.ae

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.

تويتر