أبواب

ناقد يذهب إلى السينما

قيس الزبيدي

في كتابه الممتع « الذهاب إلى السينما »، الذي سيصدر هذه السنة في سلسلة الفن السابع، في دمشق. يحاول أستاذ السيناريو اللامع سيد فيلد أن يدوّن مذكرات رحلته الثقافية الطويلة، التي قطعها في طريقه السينمائي، عله يساعد القارئ، ويضيء له طريق المعرفة، لـ« تكوّن لديه تجربة سينمائية غنية وعميقة ». وحينما ينهي كتابه الفريد تكشف خارطة الرحلة طبيعة السينما والفهم العميق لأفلامها وتثير عندنا، دون شك، « حافزا لتجربة سينمائية غنية ».

في البداية كان فيلد يذهب لمشاهدة الأفلام مخرجا وثائقيا، وبعدها ناقدا سينمائيا، وكاتب سيناريو، وتطور عمله أخيرا لتصبح مهنته أستاذا عالميا لكتابة السيناريو. وعلى مدى سنوات عدة، رغب « في تأليف كتاب أستطيع من خلاله فحص العناصر المميزة للفيلم، التي تجعل من الفيلم الجيد فيلماً جيداً ومن الفيلم الرديء فيلماً رديئاً ».

كانت الشاعرة الأميركية البارزة جوزيفين مايلز تكشف في محاضراتها باستمرار، أن السبيل إلى فهم العمل الادبي أو الموسيقي أو السينمائي يتلخص في طرح السؤال البسيط: هل أحببت العمل؟ إذا كان الجوب نعم، لماذا؟ وإذا كان الجواب لا، لماذا؟ ماذا أحببت فيه؟ هل الشخصيات؟ هل الحدث؟ الحوار، الموقف أم المغزى؟ وإذا لم تحبه فلماذا أيضاً؟

ما السينما وكيف نعرفها ونحللها؟ إنها قصة تروى بالصور، من خلال حوار، لكنه تعريف يغفل، أساسا، الخط السردي لكل أحداث قصة الفيلم والسيناريو. تعلم فيلد أن يخلق حوادث محددة، ويربطها معاً بمشاهد ومقاطع سينمائية، بحيث تشكل وحدات منفردة من الحدث الدرامي. « تلك كانت نقطة انطلاقي، أستعرض الأفلام التي شاهدتها والسيناريوهات التي قرأتها وأكون قد قلّصت سؤالي إلى أبسط مكوناته: ما البنية؟ كيف لي أن أعرّفها؟ وجدت في القاموس تعريفات متعددة، لكن اثنتين منها بدتا مناسبتين لما كنت أسعى لوضعه في كلمات: الأولى « أن تبني، أو أن تركّب ». والثانية « العلاقة بين الأجزاء والكل ».

تعوّد فيلد أن يذهب إلى السينما وهو يحمل معه مجموعة من الأوراق، يشاهد الفيلم أكثر من مرة، يدوّن ملاحظاته ويستعرض الفيلم في مخيلته: يُركّب مشاهده ويُعيد بناءها، محاولاً التوقف عند كل نقطة تغير اتجاه القصة الدرامي، ويبتكر نموذجه التخطيطي ويباشر في تفكيك الفيلم إلى بداية ـ استهلال وسط ـ مواجهة ونهاية ـ وحل.

كيف سيكون مستقبل السينما، الذي بدأ يخضع للمؤثرات الخاصة ولتكنولوجيا الكمبيوتر؟وهل هناك نوع من الإخراج الجديد في السينما ونوع من التبدل في لا شعورنا الجماعي؟

شاهد فيلم « تيرميناتور 2 »، البطل نصفه إنسان ونصفه روبوت، سحره بصرياً وعده فيلماً طليعياً وكان مأخوذاً بتضحية الروبوت بـ« حياته » لمصلحة البشر. تذكرت قول جوزيف كامبل: « البطل هو شخص ما، يهب حياته لشيء ما أكبر من ذاته ».

في نهاية الفيلم نسمع البطلة تقول« إذا كانت الآلة تستطيع أن تعرف قيمة حياة الإنسان، أفلا نكون نحن جديرين أيضاً بفعل ذلك؟! ». ما حقيقة السينما؟ الحقيقة ليست مطلقة، الحقيقة أشبه ما تكون بماسة ذات سطوح متعددة، كلما نعرضها للضوء، يتغير شكلها، لكنها تبقى ماسة واحدة: « الحقيقة أن تكون تجربة ذهنية ووجدانية متخمة بصدق الحقيقة، تستطيع أن تتفوق على حدود الزمن ».

alzubaidi0@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر