أبواب

« مدينة الخطيئة »

سالم حميد

نستكمل الرحلة، وما توقفنا عنده منذ أسبوعين، لكن هذه المرة في مدينة لاس فيغاس الأميركية، حيث سينزعج السائح من العمالة اللاتينية المختلفة الأشكال والألوان من رجال ونساء من دول لاتينية عدة يروّجون، وبإزعاج شديد للمارة، الكتيبات والمنشورات لأماكن المتعة في هذه المدينة التي يطلق عليها الأميركان لقب « سن سيتي »، أي « مدينة الخطيئة »، وذلك بسبب كثرة كازينوهاتها. وتلك العمالة اللاتينية الهائلة في لاس فيغاس أغلبها، إن لم يكن جميعها، عمالة مخالفة وغير مشروعة، لكن السلطات الأميركية تتركها تسرح وتمرح في شوارعها، لأنها تعلم جيداً مدى فائدة هذه العمالة الرخيصة في إنعاش الحركة السياحية في لاس فيغاس.

تشتهر هذه المدينة بشارعها الشهير « ستريب »، الذي يحتوي على الكثير من الفنادق والكازينوهات والمطاعم والمسارح والألعاب والعروض الترفيهية والأسواق والمراكز التجارية والمعارض المتنوعة على مدى العام، إذ حاولت السلطات في ولاية نيفادا على مدى السنوات القليلة الماضية تحسين صورة مدينة لاس فيغاس، ومسح اسم « مدينة الخطيئة » من أذهان الناس، وجعل سياحتها أكثر عائلية، وتستهدف مختلف الشرائح العمرية، وتكاد تختلف اليوم لاس فيغاس كثيراً عما كانت عليه في السابق، والحركة أكثر انسيابية، إذ تجد العائلات والأطفال يتجوّلون بكل ارتياح في قاعات الفنادق من دون أن يستوقفهم الأمن الخاص في تلك الفنادق، إذ يستطيع الجميع من مختلف الفئات العمرية الدخول من دون قيود. وأذكر شخصياً في أول زيارة لي إلى هذه المدينة عام ،1998 كان يتعين عليّ إبراز هويتي كي أدخل إلى قاعة الفندق للتحقق من عمري، كنت حينها في بداية العشرينات من العمر، وشكلي يوحي بأنني أقل من 21 سنة، وفي إحدى المرات منعني أحد رجال الأمن من الدخول، قائلاً « هذا المكان غير مخصص للأطفال، هيا اذهب »، فقمت بإبراز جواز سفري، ومجرد أن شاهد رجل الأمن صورتي وأنا بالغترة والعقال، قال معتذراً « أنا آسف سيدي، بل إن هذا المكان مخصص للأغنياء من أمثالك، تفضل ادخل أرجوك ».

إحدى شركات التطوير العقاري في الإمارات قامت بشراء أحد فنادق مدينة الخطيئة، في صفقة غير مربحة، رغم أنه يُعد أحد أشهر الفنادق في شارع « ستريب »، لكن يبدو أن الشركة المحلية لم تحقق الربح المتوقع من هذا الفندق، فبخلاف قيمة الصفقة الباهضة بكل تأكيد، فإن الميزانية التشغيلية باهظة أيضاً، فالفنادق في لاس فيغاس تُعد الأرخص على مستوى الفنادق الفخمة في الولايات المتحدة، إذ إن جلّ اهتمام الفنادق هناك قائم على تحقيق أكبر ربح مرجو من عائدات الكازينوهات، لذا يصعب على هذا الفندق أن ينافس الفنادق الفخمة الكثيرة في لاس فيغاس، لأن السياح بكل بساطة يستطيعون السكن في فنادق أرخص، ودخول أي كازينو في أي فندق آخر.

شركة تطوير عقاري أخرى في الإمارات، قبل بضع سنوات، أرادت أن تستنسخ شارع ستريب بحذافيره، على مساحة 10 كيلومترات طولية، أي « كوبي »، و« بيست »، فأين هو الإبداع في شراء ثقافات الآخرين؟! الإبداع يكون باستحداث الأفكار ومعايشة وتطوير الواقع المحلي لا بشراء وقائع وثقافات الآخرين. على العموم لسنا بحاجة إلى مدينة للخطيئة، يكفي واحدة في الولايات المتحدة.. وللحديث بقية.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر