أبواب

ثقافة التلفزيون أم ثقافة الصورة؟

قيس الزبيدي

في مقدمة كتابه « الثقافة التلفزيونية » يبحث الدكتور عبدالله الغذامي في الصورة والثقافة البصرية، في مسعى منه لطرح عدد من الأمثلة تكشف عن ثقافة الصورة في مفترق ثقافي جلل نعيشه، تداخلت فيه القيم الثقافية، ما يدفعنا كباحثين للتعرف إلى ما هو متغير وما هو يؤسس لقيم جديدة غير تقليدية وغير معروفة.

مرت الثقافة البشرية، حسب المؤلف، بأربع مراحل مختلفة: الشفاهية التدوينية والكتابية وأخيرا مرحلة ثقافة الصورة. ورغم التداخل والتفاعل المشترك بين هذه المراحل إلا أن الصورة أصبحت هي العلامة الثقافية « السائدة » وهي مصدر الاستقبال والتأويل، علامة تساوت في رؤيتها عيون كل البشر دون رقيب أو وسيط، لكن حينما دخل « التلفزيون مرحلة جديدة في الثقافة البشرية تحل فيها الصورة محل كل الأدوات وتتفوق على كل الوسائل الأخرى، وبذا تأتي العين لتحل محل الفم وتأخذ دورها كأداة وحيدة فاعلة ». حولت المشاهد من مستمع وقارئ إلى مشاهد وأصبح يستعمل عينه بدلا من أذنه؟

هل نرى نحن الصور بعيوننا حقا؟ أم نرى الصور بعين آلة التصوير؟ وهل تتم حقا عملية إدراك الصور من قبلنا من دون اللغة؟ بقيت الحجج التي تناولت عملية إدراك الصورة وفهمها ذات طبيعة ثنائية. فمن جهة تناولت الأمر من زاوية الإحاطة بالصور في سياق نص معين من الصور، ومن جهة أخرى تناولت الأمر من زاوية ضرورة عملية قراءة الصور وفهمها دائما عن طريق الاستعانة باللغة.

يعرف المؤلف الصورة بأنها « ثقافة وفكر وإنتاج اقتصادي وتكنولوجي وهي لغة عصرية تمثل الحقيقة التكنولوجية ويشترط فيها تطابق القول مع الفعل ». هل يمكننا من هذا التعريف دراسة ثقافة الصورة دون دراسة طبيعة الوسيط الذي تنتمي إليه وتظهر في سياقه؟

أسئلة كثيرة مهمة وأجوبة كثيرة مهمة تُطرح في الكتاب، لكن الدراسة تنطلق من دراسة ذات طبيعة ثقافية أدبية واسعة، من هنا تأتي أهميتها وتأتي أيضا إشكاليتها، فهي أنها لم تتزود بمنهج يصلح لمعرفة الموضوع الفني والتقني/ العلمي، الذي تتصدى له إلا من زاوية اجتماعية، رغم أن الغذامي نفسه يرى، بهذا الخصوص، أهمية أن تستدعي مثل دراسته: « لتزود بنظريات في طرق استقبال الصورة وتأويلها (...)، ما يدفع بنا إلى اكتشاف نحو جديد ومنطق جديد نقرأ به ثقافة الصورة ونستكشف تغيراتها النسقية والذهنية ».

كيف تبدو الصورة اليوم؟

وحدت الثورة الرقمية مختلف أنظمة العلامات في نظام وحيد ينقل النص والصوت والصورة في حامل وحيد بنقل إشاراتهما الثلاث معا بسرعة الضوء. واستطاع هذا الاختراع الجديد أن يغير الاعلام جذريا، ويلغي التباينات بين النظام النصي والنظام الصوتي والنظام الصوَري. وأصبحنا نرى كيف تعتمد التلفزة على سطوة الصورة، لا أخبار ولا وجود لأحداث من دون صور، تصورها عدسات التصوير وتعيد صورنتها أقسام الأخبار وجعلت من التلفزيون ليس وسيلة لنشر الحقائق، لكن أيضا وسيلة للتلاعب بالعقول. هو من يرسل لنا الرسالة، وهو من يقرأها عنا ويفسرها نيابة عنا، ويوحد بهذا المرسل والمستقبل ويلغي المشاهد.. الذي يتوجه إليه البث!

alzubaidi0@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر