5 دقائق

سلام يا تراث..!

ميره القاسم

كنا نحلم بإصدارات صحافية مختصة بالثقافة الشعبية، خصوصاً أن بعض دول الخليج كان لها السبق قبل الإمارات في مثل هذه التجربة.. وتحقق الحلم بوجود أكثر من مجلة في الإمارات هنا وهناك، إذ شهدت الساحة المعنية بالثقافة الشعبية تحديداً تطوراً إعلامياً في السنوات الأخيرة ولكن...

بعض هذه الإصدارات كثف القائمون عليها جهودهم في الابتعاد كثيراً عن الخصوصية التي حُدّدت وعُنونت بها تلك المطبوعات كعنوان فرعي.. ولا نعلم إلى متى سيظل هذا الخلط الذي يعمق هذه التجاوزات الكارثية!

سنقف على أمثلة فيها الكثير من السخرية والألم، ولكم أن تتخيلوا كم هي حقيقية! «نُعنى بالثقافة والأدب الشعبي».. وننشر حواراً مطولاً مع مغنية ليس لها صوت، غير أنها فارهة الجمال وتشبه الإماراتيات إلى حد قريب!

«نعنى بالأدب الشعبي».. ويتمركز الصفحات لقاء مطول لممثلة «دلوعة» ظهرت كثيراً على شاشة رمضان، كُتبت لها قصيدة «عُنوة» اتكأت جانب صورها لتُذيل باسمها.. وحُسبت علينا شاعرة! «مختصون في الثقافة الشعبية».. وتحتل الغلاف مذيعة فارعة برفع «جمبوعتها» فقط، لأنها تبحث عن زوج شاعر! «نُعنى بالشعر العامي».. خمس قصائد، وإجراء حوار هادف مع «هدّاف» المنتخب! «نُعنى بالأدب الشعبي».. وتتوسط المطبوعة آخر صيحات «الميك أب»، ورسم العيون ووشم الحاجب ونفخ الشفايف.. وسلام يا أدب! «نعنى بالثقافة الشعبية».. وتتزين المطبوعة بـ «المزايين» اللّواتي تُزيّن بأزياء لا صلة لها بأزيائنا المحلية غير أن مصممة الملابس «أجنبية» تلبس زي المرأة الإماراتية اعتزازاً وحباً لهذا التراث.. «وسلام يا هوية»! «نعنى بالشعر النبطي».. وقصيدة فذة تزينها صورة ناقة وصحراء ونخلة و«دلة» القهوة، وكأن كل ما يتعلق بالنبط والتراث هي تلك الصور! «نُعنى بالأدب الخليجي».. وحريصون في الوقت نفسه على نشر حوار مع مغنية ومذيعة وممثلة عربية.. «سبع صنايع والبخت ضايع بس مب ضايع عندنا إن شاء الله» فقط، لأنها تتحدث «لهجتنا المحلية بطلاقة»، وتحرص على لبس العباءة الإماراتية وتبحث عن شاعر يكتُب لها! «نحفر في الثقافة الشعبية».. لا وجود للحفر أو التلويح به في كل من هذه المطبوعات! «صفحات تُعنى بالشعر النبطي».. ولا علاقة لما ينشر بلغة الأنباط سوى شكل القصيدة صدراً وعجزاً أو مثل ما «يسمونه قصيدة تقليدية»!

«مجلة متخصصة في الأدب الشعبي»، وبكل أدب لا أدب فيها في ظل غزو صفحاتها المغنيات «المشعة بهرجتهن» فقط، لأنهن غنيّن لشعراء الخليج شعراً شعبياً! «نعني بالثقافة الشعبية».. نحلم بمجلة متخصصة في الثقافة الشعبية بشكل حقيقي تبرز الجانب الآخر من تراثنا، وذلك بإعادة حفر كل ما يتعلق بهذه الثقافة من شعر ومهن وحرف وأغانٍ وملبس ومشرب وفلكلور، والالتفات إلى المكامن الجوهرية فيه. على أن تعطى هذا المجال مصداقيته وتتغلب المصلحة العامة على الخاصة، فتكسب تلك الصحافة صدقيته بعيداً عن البهرجة الكاذبة التي لا هدف منها سوى المكاسب المادية!

wahag2002@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر