أقول لكم

محمد يوسف

عندما تغيب العدالة الاجتماعية يظهر التطرف، وما نشهده منذ بداية هذا العام دليل على ذلك، ليس في الدول العربية فقط، بل نضيف إليها بريطانيا أيضاً، ولا تظنوا أن الاحتجاجات الشعبية ستتوقف عندها، فشعب الله المختار الذي أقام كياناً عنصرياً في الأرض التي يسميها بالموعودة خرج قبل لندن في شوارع تل أبيب والقدس، ومطالبه مثل مطالب الآخرين، وهناك دول كثيرة مرشحة لأن تنفجر فيها طاقات الشباب، ليس حباً في الفوضى، لكن إعلاناً عن الرفض القاطع للفوارق التي رسخت في المجتمعات، وقد كان وزير المالية البريطاني واضحاً وصريحاً في تحديد أسباب ما حدث في بلاده، قال إن الحكومات تجاهلت بعض المناطق، وتركت الأوضاع تسوء فيها، وإذا أردنا أن نقضي على العصيان - يقصد الاحتجاجات - يجب علينا أن نعمل على دمج تلك المجتمعات المهملة في مجتمعنا الكبير. وهذا تصريح خطير من عضو في الحكومة الحالية، والمجتمعات التي يتحدث عنها ما هي إلا مناطق وضواحٍ في العاصمة لندن والمدن الأخرى تحولت مع مرور الزمن والإهمال إلى ما يشبه تلك العشوائيات التي تحيط بالقاهرة وبعض العواصم العربية، وكما تعيش عشوائيات القاهرة في ظلمات عصور متخلفة، فإن عشوائيات لندن، وإن كانت ظاهرياً أفضل حالاً، تعيش أيضاً في انفصال تام عن محيطها، فلا هي اكتسبت الحضارة من بريطانيا العظمى، ولا وصلت إليها خدمات جيرانها من مناطق المميزين، ونقلت كل جالية ثقافتها إلى مجتمعها، وهناك لكل جالية منطقة، وفي كل منطقة لغة وزي ودلائل تشير إلى الانتماء، وفي المقابل يتعامل الجميع مع هذه المجتمعات بفوقية وتعالٍ، وبشراسة أيضاً، مطلوب منهم أن يكونوا مواطنين، وأن يلتزموا بالقوانين، وممنوع عليهم أن يطالبوا بحقوقهم، وما عليهم سوى الاكتفاء بشرف الإقامة اسماً في مدينة الضباب، المدينة الفاضلة لندن، فكان أن خرجوا، وكان أن أحرقوا، وكان أن أوصلوا للعالم صوتاً كان مكبوتاً، أرادوا أن يقولوا للجميع إن الفضيلة غابت يوم غابت العدالة، وعندما تغيب العدالة يظهر التطرف، نحو اليمين حيناً، ونحو اليسار أحياناً أخرى، وقد يغلف بستار ديني أو طائفي أو عنصري، وقد يكون وقوده بعض البائسين!

myousef_1@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر