أقول لكم

محمد يوسف

هم يختلفون عنا، الأوروبيون جنس آخر، عانى ولكنه بنى، وأسس نظاماً يحكمه القانون، كل شخص يخضع له، حقوقه يأخذها بواسطته، وواجباته يؤديها بمراقبته، والخروج عنه يعني مخالفته التي تستوجب المحاسبة، وكل واحد بحسب ما ارتكب، وحجم ما ارتكب، والكل يقبل بحكمه، ولهذا نحن نمشي في شوارعهم، وقد أبهرتنا تلك المنظومة المتكاملة التي نراها، في التنظيم، وفي النظافة، وفي التناسق، وفي توفير الضروريات لكل الفئات، خطوط مشاة، وممرات للدراجات الهوائية، ومصاعد تحت الأرض إلى فوقها لذوي الإعاقة، وسلالم متحركة وعادية، وأماكن لنزول عربات الأطفال، ومترو في وسط كل ذلك لا يصطدم بأحد، و«باصات» لها مسار خاص، وإشارة حمراء لا تقطع من عابر حتى ولو خلا الطريق من السيارات، وإذا سألت في محطة قطار عن وجهتك أخذتك موظفة إلى حيث تريد، وكأنهم أمس فقط أنتجوا خطوط القطار، لا يتركون مؤسساتهم وإنجازاتهم تترهل، وتشيخ، ويعلوها التراب، ثم تندثر، كل شيء عندهم يلمع كأنه جديد، تجد «السوبرماركت» مثل المستشفى، هادئاً، وإن تحدث أحد همس إلى رفيقة، طبيبهم مثل سائق الأجرة يجيبك بقدر السؤال، وطفلهم يُولد وقد عرف أهله متطلباته حتى يتخرج في الجامعة، وموظفهم كذلك يعرف ما له بعد التقاعد منذ اليوم الأول لعمله، ولا مكان لديهم لفتاوى صغار الموظفين وتأشيرات كبارهم، كل شيء مقنن ومنظم ومحدد.

ولاؤهم كذلك، لأنهم حسبوا حساب كل شيء، كانوا مصدومين بثورة الشباب في بريطانيا، وصدمتهم الأكبر كانت من ذلك العداء الذي أظهره الشباب في مواجهاتهم مع رجال الشرطة، والحقد ضد الشركات والمتاجر الكبيرة والراقية، والتي نتج عنها عمليات التدمير والإحراق بعد النهب، رغم أن كل ما يمكن أن يُسرق لن يغني أحداً منهم، ولن يجعله غير محتاج لشيء في المستقبل، وهذا دليل على أن هناك شيئاً أكبر من السرقة و«طيش الشباب» وراء ما حدث، وهو التمييز الذي تحسّ به المجموعات المنتمية إلى أصول أجنبية، التي بينت أن المدن الأوروبية الفاضلة ليست فاضلة!

 

myousef_1@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر