يا جماعة الخير

قصة لرمضان ولغير رمضان

مصطفى عبدالعال

حكى الشيخ الشعراوي في حلقات تفسيره أنه في زيارة لأمير الطائف قص الأمير عليه قصة امرأة من البدو، غلبت بفطرتها علم العلماء، تخيلتُ أني أعايشها من روعتها، لذلك أنقلها إلى الأحباب.

كانت للمرأة بنتان، تزوجتا، وانتقلت كل منهما مع زوجها إلى قريته حول الطائف، وكان زوج إحداهما يعمل في صنع الأواني الفخارية، والأخرى زوجها مزارع في أرضه. وكان والداهما يترددان عليهما في زيارة واحدة، لقربهما من بعضهما، وذات يوم طلبت الأم من زوجها أن يذهب ليطمئن على ابنتيهما، فذهب وبدأ بزوجة المزارع، فضافته هي وزوجها ورحبا به، وسألهما عن حالهما فقالت: بخير حال والحمد لله، غير أن السماء لم تمطر، وهذا يهدد زرعنا بالفساد وأرضنا بالجدب، فبالله اضرع إلى الله بعلمك وورعك أن ينزل علينا الغيث، لينبت الزرع ويمتلئ الضرع، فدعا الوالد، ووعدها بأن يخصهما بدعاء السحر الذي لا يرد.

انصرف الوالد لزيارة اختها، فاستقبلته هي وزوجها بالحرارة نفسها والترحاب، ولما سألهما عن حالهما حمدت الله وشكرته وأثنت على صلاح زوجها، ثم قالت: لكننا في أمس الحاجة إلى دعائك، فقد تعبنا كثيراً في صنع الفخار، ونخشى إن نزل المطر أن يضيع تعبنا ويفسد مالنا، فسل الله بعلمك وورعك ألا ينزل المطر، حتى يجف فخارنا فنرزق ونقضي حاجاتنا، فاحتار الرجل! إن دعا فنزل المطر سعدت ابنة وتعست الأخرى، فإن دعا لمنع المطر تعست زوجة المزارع وسعدت صانعة الفخار، فرجع الشيخ مهموماً لا يدري ماذا يفعل لابنتيه، فلما رأت أمهما همه سألته، فقال: إن سعادة إحداهما لا تأتي إلا بخراب على الأخرى، وحدثها بالقصة، فابتسمت، ثم قالت: عجبت لأمرك يا رجل! أتقرأ القرآن ولا تتدبره؟ ألم يقل ربنا عز من قائل:{أَلَمْ تَرَ أَن اللهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُم يُؤَلفُ بَيْنَهُ ثُم يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خلالِهِ وَيُنَزلُ مِنَ السمَاءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَن من يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأبْصَارِ يُقَلبُ اللهُ الليْلَ وَالنهَارَ إِن فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأوْلِي الأبْصَارِ} سورة النور «43 و44»،

فتأمل الشيخ بعلمه فرأى: « يزجي سحاباً » يسوقه برفق، « ثم يؤلف بينه » يضم بعضه إلى بعض، فيجعل القطع المتفرقة قطعة واحدة، « ثم يجعله ركاماً » بعضه فوق بعض، « فترى الودق » المطر، « يخرج من خلاله » مخارجه، « وينزل من السماء من جبال فيها » في السماء، « من بَرَد » أي بعضه، « فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء » يوجهه بقدرته، « يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار » أي يخطف الأبصار الناظرة إليه مما أودع الله فيه من طاقة وقوة، « يقلب الله الليل والنهار »، أي يأتي بكل منهما بدل الآخر، « إن في ذلك » التقليب، « لعبرة لأولي الأبصار » لأصحاب البصائر على قدرة الله تعالى.

نظر الشيخ إلى امرأته في بساطتها ونقاء عقيدتها، وتأمل كيف بفطرتها دون تبحر في العلم فهمت كلام الله عز وجل، فهل نتدبر القرآن ونحن نتلوه في رمضان؟

المستشار التربوي لبرنامج « وطني »

mustafa@watani.ae

 

تويتر