5 دقائق

« سوبر نبطي »

ميره القاسم

في الأعوام القليلة الماضية انتشرت مسابقات الشعر الشعبي، وسواء اتفقنا أو اختلفنا مع ذلك، فقد أصبح الشاعر الشعبي أو النبطي، كما يفضل البعض تسميته ـ علماً بأن لا علاقة للشعر الذي نكتبه حالياً بلغة الأنباط، فهو شعر محكي أو عامي ـ نعود لنقول إن الشاعر المنتمي إلى أحد هذه المسميات أصبح « سوبر ستار »، فانتقل من مرحلة تلقي الإعجاب الورقي، عن طريق الرسائل التي تصل إلى المجلات والصحف، وتختم بأحرف مثل « المعجبة س.م » أو « مُحبك ع.ع »، إلى مرحلة البث المباشر، التي مكنته فجأة وبقدرة قادر من تلقي المال والشهرة، والإعجاب بشكل مباشر، ما أفقده توازنه وجعله يكتب بشراهة قصائد صوتية تؤثر في من يسمعه بشكل آني من دون أن تبقى في الذاكرة أو يستفاد منها، كل ذلك فقط ليكسب أكبر قدر من رسائل التصويت ويجاري الريح. وعندما نعود إلى مرحلة الثمانينات نجد أن شعراء الخليج قد حفروا في الصخر ليصنعوا إعلامهم الشعبي من « الصفر »، وبدأت من خلال ثقافتهم الخطوات الإعلامية الأولى لتوثيقه ونقله إلى محبيه، بعيداً عن الاعتماد على الحفظ والتوثيق في أوراق الدفاتر المدرسية القديمة، أو جدران الشوارع المهجورة التي لا تصلها عادة خدمات البلدية.

أما في المرحلة الحالية، فقد تعددت الخيارات، فأصبح هناك إعلام ورقي أو إلكتروني أو مرئي، الذي تفرغ جزء منه لصناعة الشاعر الشعبي، والتكسّب من وراء إظهاره وتسويقه، وبدأ الإمساك بـ« الكنترول »، ليلغي أو يؤكد حضور الشعراء، ما جعل الحسابات السابقة تتغير جذرياً. التغيير بالطبع سيصل إلى كل ما له علاقة بالشعر الشعبي، وأعتقد أن أكثر متطلبات الحضور والوجود الإعلامي الحالية سيكون اعتمادها بالدرجة الأولى على « الشكل والصوت والكاريزما »، وطريقة الحضور والانفعال أمام الكاميرا، لذلك ستقلّ فرصة حضور أصحاب « القصائد المعلبة »، وأصحاب الصور الملونة، التي عادة ما يحضر أصحابها من خلال شراء القصائد وتوزيع صورهم وقصائدهم « المشتراة » بشكل هستيري على جميع الملاحق، والإعلام المتخصص في الثقافة الشعبية. بالنسبة لي ليس مهماً أن أعرف اسم شاعر القصيدة وقبيلته وموطنه الأصلي أو التقليدي، لكن المهم أن يكون الشعر « جيداً» ويستحق القراءة.

وبالنسبة لمن يشتري قصيدة، لا أجد ما أوصيه به إلا أن يحسن الاختيار، ولا يبالغ في الثمن، فالأمور قد اختلفت، ولم تعد الصورة والقصيدة الحل الوحيد، وعليه أن يدفع مالاً أكثر ليتمكن من مجاراة العصر وتعديل حباله الصوتية، وبعض الملامح التي بعثرتها بيئتنا القاسية، ودرجات الحرارة المرتفعة، ليصبح « سوبر شعبي »! أخيراً بقي أن نهمس في أذن من سيلجأ إلى العمليات الجراحية من شعراء المستقبل والطامحين إلى الوصول للخليجية، وتوقيع عقود مع شركات الاتصالات، بعد تفوقهم في المسابقات الشعرية، وحصد الملايين، بأن حياة مايكل جاكسون عبرة لكل من تسوّل له نفسه التفكير في مقدرة المال على فعل المستحيل!

wahag2002@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتبة يرجى النقر على اسمها .

تويتر