أبواب

تسلل غير مشروع لكنه مفيد!

سالم حميد

جميلة ساحة «سول» وحركتها وصخبها؛ جلست قرب نافورة الساحة الجميلة ألتقط بعض الصور التذكارية، وفجأة سمعت ضجيجاً يصدره أحد الأفارقة! فإسبانيا إحدى أكثر الدول الأوروبية التي تعاني حالات التسلل والهجرة غير المشروعة من قبل الأفارقة، الذين تجدهم على نحو واسع في مركز مدينة مدريد، يعرضون بضائع مختلفة من اكسسوارات لماركات مقلدة من ملابس وحقائب يد نسائية وساعات ونظارات وغيرها من أشياء بأسعار رخيصة، والسلطات الإسبانية تمنع البيع غير المشروع في شوارعها، لكن الأفارقة يتميزون بسرعة الهرب من رجال الشرطة بمجرد أن يلمحوهم، إذ يضعون بضائعهم في أكياس قماشية أشبه بالـ«بقجة»، قابلة للسرد وسريعة الطي، فيطوونها بسرعة ويلوذون بالفرار.

أحد هؤلاء الأفارقة كان سيئ الحظ، فألقى رجلان من رجال الشرطة القبض عليه في الساحة، وتمت مصادرة بضائعه، لكن الإفريقي كان عنيداً للغاية، فهو يعلم أنه يعيش في هذا البلد بطريقة غير مشروعة، وسيتم ترحيله إلى بلده، فكان يقاوم الشرطة بقوة، لدرجة عجز الشرطيان عنه، فقاما باستدعاء نجدة إضافية، وتجمع الناس والسياح أمام المشهد، يلتقطون الصور، ورجال الشرطة ينهرونهم ويطلبون منهم عدم التقاط الصور، وكان الإفريقي يبكي ويقاوم ويصرخ بما معناه «لا أريد أن أعود إلى بلادي، أرجوكم خذوا بضائعي واتركوني»، رقّ بعض الإسبان لهذا الإفريقي، واستهجنوا شدة تعامل رجال الشرطة معه، واندفع عجوز إسباني نحو الشرطة يصرخ فيهم طالباً التعامل معه برفق، قائلاً لهم «هذا إنسان وليس حيواناً»، كما اندفعت سيدة إسبانية أخرى تنهر رجال الشرطة لهذا التصرف العنيف مع الإفريقي، لكن رجال الشرطة لم يستمعوا لأحد، وقاموا بالصراخ في وجوههم لتشتيتهم.

كم هي حياة بائسة لهؤلاء، يتركون أوطانهم ويواجهون مخاطر عبور البحار في مراكب عتيقة، متسللين نحو جنة أوروبا، لكن هذه ليست مشكلة أوروبا لإطعام أو إيواء المتسللين، بل هي مشكلة بلدانهم، ونحن في الإمارات نعاني المشكلة نفسها مع المتسللين الآسيويين، لكن ليست مشكلتنا نحن أيضاً لنؤويهم، فبلدنا يخصص ملايين الدولارات سنوياً مساعدات إنسانية لمختلف البلدان في نكباتها وأزماتها، ولا توجد دولة تقبل بالتسلل غير المشروع لعبور حدودها، لكن بعض الدول في شمال إفريقيا تتعمد عدم اعتراض سفن التسلل الإفريقية نحو أوروبا، في مناورة سياسية تستهدف تحقيق مصالح سياسية من بعض دول أوروبا.

في الولايات المتحدة يختلف الوضع، فعلى الرغم من المصاعب التي يعانيها المتسللون من دول أميركا الوسطى نحو الحدود الجنوبية للولايات المتحدة، كان الأميركيون في الماضي، خصوصاً ولاية تكساس، يستمتعون بصيد اللاتينيين كالحيوانات، وإطلاق النيران عليهم، بحجة اختراق المتسللين أراضي تابعة لهم، هذا بخلاف السياج المكهرب، وكانت السلطات الأميركية تعد هذا التصرف حقاً مشروعاً للمواطنين، لحماية ممتلكاتهم التي تتعرض للانتهاك، لكن الاقتصاد الأميركي اليوم يعتمد بشكل فعاّل على العمالة اللاتينية، وتحديداً العمالة غير المشروعة، فهذه عمالة رخيصة للغاية، وأسهمت بشكل كبير في دعم الحركة الاقتصادية، وتدرك السلطات الأميركية اليوم جيداً أن طرد العمالة غير المشروعة سيتسبب في إحداث نكسة اقتصادية، فحالات القبض على العمالة غير المشروعة في أميركا شكلية في الغالب..

وللحديث بقية في الأسبوع المقبل.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر