5 دقائق

اللهم سكّنهم في مساكنهم

ميره القاسم

رمضان شهر الرحمة والمغفرة، وهو الوحيد بين شهور السنة الذي تصفد فيه الشياطين، لتحلّ اللعنة على فئة من الشعراء تدعي بأن الجنّ يساعدونهم على كتابة القصائد، ووصل الأمر عند البعض إلى ذكر اسم شياطينهم تباهياً وتفاخراً.

وبما أن الأمر أصبح واقعاً مشاهداً ومحسوساً، فأنا أوجه الدعوة إلى هؤلاء الشعراء المصاحبين للشياطين، وعلى وجه الخصوص الذين يكتبون قصائد سيئة، بأن يحسنوا اختيار القرين بعد انتهاء الشهر الفضيل، لتحسين نتاجهم الأدبي، ومحاولة الاستفادة من فترة التصفيد في قراءة ما يناسب فضل الشهر الكريم.

وليس لديّ ما أضيفه وأقترحه على تلك الفئة الواهمة غير قراءة « ابن شهيد الأندلسي صاحب « التوابع والزوابع »، التي تقول عنها المصادر بأنها رسالة أدبية نقدية أتت كشكل جديد للنثر.

اختار بها ابن شهيد اسم « التوابع والزوابع » دلالة على المحتوى، فالتوابع جمع تابع، وهو الجني الذي يتبع الإنسان ويحبه ويرافقه، أما الزوابع فهي جمع زوبعة، ويقصد بها شيطاناً مارداً أو رئيساً من الجن.

وتعد رسالة « التوابع والزوابع » من أشهر مؤلفات ابن شهيد وأهمها، وذلك لضمها آراءه الأدبية والنقدية، واصطباغها بالطابع القصصي، وفيها الكثير من الخيال، فتدخل ضمن نوادر التراث القصصي العربي، وتتمتع بأسلوب فريد قلما نجده في غيرها من الرسائل الأدبية، إذ تعرض القضايا الأدبية والنقدية في إطار قصصي، وذلك عبر مناظرات أدبية بين كل من ابن شهيد وتوابع بعض الشعراء والكتاب و« نقاد الجن ».

وفي « التوابع والزوابع » تخيل المؤلف أنه قام برحلة إلى عالم الجن، وهناك التقى شياطين الشعراء والكتّاب، ووقعت بينهم مناظرات أدبية تفوق فيها ابن شهيد على الجميع، وأرضى غروره، وذلك في إطار قصصي. وفي رسالته التقى ابن شهيد بتوابع عدد من الشعراء والأدباء منهم امرؤ القيس، وطرفة بن العبد، وقيس بن الخطيم، وأبوتمام، والبحتري، وأبونواس، والمتنبي، والجاحظ، وأبوالقاسم، وغيرهم. مع العلم أن رسالة ابن شهيد عبارة عن مدخل وأربعة فصول، منها فصل في توابع الشعراء، وفصل في توابع الكتّاب، وفصل في نقّاد الجن، وفصل في حيوان الجن.

وبالطبع ابن شهيد لم يكتب عن الشعوذة الشعبية التي تمارس في وقتنا الحالي في الساحة المعنية بالشعر الشعبي ( النبطي ) العامي، مع الفارق الزمني والأدبي الكبير.

والسؤال المحير والمؤلم أن أصدقاء الجن من شعراء الساحة الشعبية كتبوا قصائد، كما يدّعون، بمساندة الجن، لكن النتيجة مؤسفة، وكانت عبارة عن قصائد ركيكة وسيئة وسطحية، فكيف ستكون حالها لو كتبوها وحدهم؟!

اللهم بلغنا رمضان، وسكنهم في مساكنهم، يا أرحم الراحمين.

wahag2002@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتبة يرجى النقر على اسمها .

تويتر