أبواب

الجلوس أمام المقبرة

زياد العناني

ثمة أصوات سياسية ما انفكت تعتبر أن التجهم هو الأساس في فعل المقاومة، وأن الواقع العربي يحتاج إلى المشاعر المتألمة أكثر من حاجته إلى الفرح، مقسمة العاطفة الإنسانية بين رقص على الجراح، أو جلوس على باب المقبرة.

ولأننا جزء من أمة تحتفي بالظواهر الصوتية خرجت ثلة من الأصوات الجهيرة أخيراً، مطالبة بإلغاء مهرجان جرش الدولي، وكان الاعتبار الوحيد الذي ترفعه يؤكد أن الفرح ليس مقاومة، وأن الحزن هو الذي يليق بربيع الثورات العربية وبدم الشهداء أكثر من غيره، مبينة أن الإنصات للفنون من الأباطيل، ولا يجوز أن يوجد بيننا، بل إنها راحت تجزم بأن تعبير الشعوب عن أحوالها لا يحل إلا من خلال الطرف الغليظ من القلب.

باستثناء القليل من الكتاب، نجد أن الإطلاق العام الذي يخرج على شكل مقالات يتعامل مع الثورات العربية باعتبار أنها بركة دم، وأن الاستغراق في هذه البركة يلزمه الكثير من الحزن والملامح الخشنة، متناسين ماذا يعني الجهل بالطبيعة الثقافية، وما هي سيئاته، مستبعدين تماماً أن تاريخ الثورات كان طافحاً بالغناء والشعر، وأن هذه الأشكال الإبداعية مجتمعة كانت تشد اللحمة الثورية المشتركة، بل إنها وصلت إلى حد التماهي مع الثورة، وخدمتها، وأجادت النطق باسمها عبر العصور.

ثمة إبداع رؤيوي يستطيع أن يتوغل في مناطق جمالية وإنسانية، وهي مناطق حصرية لا يستطيع الخطاب السياسي أن يدخلها لأنه يهجس بالسلطة، ويفتقر إلى فهم الجانب السايكولوجي العام الذي تعيشه الشعوب، خصوصاً في تحولاتها السياسية والاجتماعية والثقافية، وبناء عليه لابد من ان يكون الإبداع ربان سفينة في هذا البحر المتلاطم، ولابد أن يكون حتمية في الزمان والمكان أيضاً.

لقد حان الوقت الذي يتوجب فيه هز انتباه تلك الأقلام التي لاتزال غاطسة في محبرة سوداء، وترى أن فعل المثاقفة يجب أن يتجمهر في منطقة واحدة، ويأخذ منحى واحداً، وأن شخصية الثوار يجب أن تتجهم ولا تتصدع وهي تتخبط في فجائعية يمكن أن تتحدث عن فصل السلطات والعدالة الاجتماعية، وعن ظلم السلطة الحاكمة، لكنها لن تعبر عن دواخل الناس، ولن تنشر ثقافة الفرح التي هي تنصيص بالضرورة لما نحن عليه من أحوال لا تحصر في طية واحدة، ولا تتجمد في ثلاجة الهيمنة.

بات مهماً أن نقول لأصحاب الأصوات السياسية المتطاولة على الإبداع كفى كذباً وتجهماً ومحواً للفعل الثقافي، لأن الثقافة هي المكون الأول لكل ما نحن عليه، ومن يعتقد أن الفعل الثوري مجرد حشد أو وقفة في شارع أو اعتصام في ممر يكون قد نسي الدرس، ولم يقرأ أن الثورة الفرنسية مثلاً لم تختزل في الخصومة السياسية أو المقصلة، وأن الناس عاشوها في فترة ما، لكن العالم لايزال يعيش على أفكارها إلى الآن.

وأخيراً؛ على كل ثورة أن تبث روحها من خلال الفن والشعر والمسرح، وتقاوم من خلال رموزها، وذلك لأن مقاومة المبدعين متنوعة في اشتباكها مع الواقع، ويمكن لقصيدة أو أغنية أن تفعل ما لا يفعله حشد كبير من الناس، خصوصاً أن النصف الأكبر من تجليات الثورات يكون وجدانياً وقابلاً للتداول

أكثر من الشعارات التي تتغبر وتتمزق على اليافطات فقط.

 

zeyad_alanani@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر