أبواب

الخروج من القمقم

قيس الزبيدي

مغزى حكايات شهرزاد، ألا تجعل شهريار، فقط، يتخلى عن الظلم ويغير خطط انتقامه الشريرة، إنما تهدي أيضاً غيره من الإنس الضاليّن. وفي كتابه الساحر يكشف عبدالفتاح كيليطو «العين والإبرة» أسرار «الليالي». ونحاول هنا «تغريب» حكاية «الصياد والجني»، على أمل تأويلها انطلاقاً من طموح «عفاريت» الربيع العربي الأحرار، الذين انطلقوا من أعماق القمقم الكبير إلى آفاق الحرية.

عندما كان أحد العفاريت يتمرد، كان النبي سليمان يحبسه داخل قمقم من نحاس ويلقي به في أعماق البحر، وكان بذلك يحقق هدفين: يعاقب من جهة المذنبين، ويبرز من جهة أخرى سلطته القوية لكل من يحاول، في أي زمن، فتح القماقم، التي تحمل خاتمه، ولا يكون لأحد صلاحية فتحها ومعرفة محتوياتها، وعلى هذا لا يحق لأحد، بعد وفاته، فتح القمقم وتخليص العفاريت.

يجد الخليفة الجديد نفسه أن هناك منافسة خفية بينه وبين سليمان، الذي كان نموذجاً لكل من يحلم بالسلطة أو يطمح إلى تنمية سلطته، وأنه قد اعطيّ مُلكاً عظيماً ووصل إلى ما لم يصل أحد إليه. ورغم أن الخليفة استطاع أن يحكم امبراطورية مترامية الأطراف، لكن لم تكن له سلطة على العفاريت وعندما كان يأتي ذكرها، كان يعبر عن رغبته في رؤية بعض منها في محاولة للسيطرة عليها، لربما يرتقي إلى مستوى سلفه العظيم سليمان.

يعود من يكلفهما الخليفة بعد رحلة طويلة وشاقة ومعهما 12 قمقماً، يفتحها الخليفة واحداً تلو الآخر، وفي كل مرة وحين كان الجني يخرج من القمقم، يتوهم أنه أمام سليمان ويصيح: التوبة يا نبي الله!

يفقد الجني داخل القمقم مفهوم الزمن، لأنه مرتبط بماضيه وبلحظة بالذات من ذلك الماضي، لهذا تمر عليه «قرون» دون أن ينتبه إلى مرور الزمن. من هنا يعلن توبته بينما يخرج من سجنه، معتقداً أن سجانه مازال حياً قوياً، وأنه بدأ يعفو عنه، ولأن الخليفة لا يخبره بالحقيقة، ولا يبين له وهمه، ولأنه يريد، أي الخليفة، بدافع الحيطة والحذر، سجنه من جديد، رغم توبته، ليتفادى أية مواجهة ذات عواقب غير متوقعة.

يستمر الخليفة عبدالملك في حجز القماقم القابلة للانفجار في غرفة خزائنه، ويحتفظ بحق فتحها كلما رغب في ذلك، ليتأكد من سلطته على العفاريت السجينة، من دون أي جهد يذكر، كما أنه لا يفعل سوى إعطاء الأوامر، متى رغب وشاء، لتنفذ في الحال، لكي يجعل العفاريت تُمثل بين يديه خاضعة ذليلة.

لا يمكن للمرء أن يطلق سراح جني محبوس في قمقم منذ زمن بعيد من دون عاقبة سيئة، وإذا أطلق سراحه، لسبب من الأسباب، فيلزم تجنب أي حوار معه، كما يلزم بالخصوص عدم إخباره بحقيقة أن سجانه قد مات، لأنه مجرد أن يعلم بأن زمان من سجنه ولى، يقرر قتله، معتقداً أن من يسجنه الآن هو سجانه القديم. هنا لا يبقى أمامه سوى خيار واحد، أن يتخلص منه إلى الأبد، ليشرع في تدشين حياته الحرة الجديدة.

alzubaidi0@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر