أقول لكم

محمد يوسف

ثلاثة ملايين يعيشون ظروفاً قاسية في أطراف الصومال، وغيرهم في كينيا وإثيوبيا، إنها مأساة حقيقية، أن يموت الطفل بين يدي أمه، فهذا قمة القهر والحقد للعالم كله، وأن تترك الأسرة بعض الأطفال ليواجهوا مصيرهم وترحل، فهذه ظاهرة لا يمكن تخيلها في هذا الزمان، من منا يمكن أن يتخيل نفسه واقفاً من دون حول أو قوة ليشاهد كل شيء ينهار من حوله، لا ماء، ولا غذاء، ولا دواء؟ صعب جداً، صعب أن يلتفت الرجل فلا يرى غير الجدب، وصعب أن يبكي الرجال، لكنهم يبكون، الأرواح تنتزع من بينهم، فيبكون قلة الحيلة، ويبكون يوماً سلموا فيه أمرهم إلى مجموعات من المرتزقة، قادة عصابات، مبتزون، وتجار بشر، ويبكون خيراً كان بين أيديهم فتنازعته الأيادي الآثمة، تلك التي أحرقت رصيد أطفالهم في الحاضر والمستقبل، واستبدلت كيس الدقيق ببندقية، وشربة الماء بقنبلة، ويلعنون يوماً صدّقوا فيه أن «شباب المجاهدين» آتون من أجلهم، فإذا بهم ينكرون الحقيقة، ويضحون بشعبهم من أجل سلطة زائلة، ويمنعون الإغاثة من الوصول إلى الجوعى والمرضى، ويرفضون الاعتراف بحجم الدمار الذي خلفوه، وتجار مقديشو مازالوا يتقاسمون الغنائم، تباً لكل المكاسب التي تختلط باللعنات، وتباً لكل متجبر متسلط، وتباً لكل من يظن أن المجاعة بحاجة إلى تضخيم إعلامي، فهي كبيرة منذ لحظة وقوعها، وهي لافتة للنظر من دون حاجة إلى تركيز، إنها ليست سلعة بحاجة إلى دعاية، إنها قضية البشر الأولى، قضية ما يسد الرمق ويحفظ الوجود، لا علاقة لها بربيع عربي أو تخطيط إمبريالي، بل هو القحط، وهو العوز، وذلك الطفل الذي جاع حتى رفضت كل أعضائه الأكل الذي وصل متأخراً لا يعرف شيئاً عن لفت الأنظار، فهو يموت هناك، يموت جوعاً ومرضاً في العراء، يموت، هل تعرفون معنى هذه الكلمة؟!

myousef_1@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر